دانتي: قلت لي إنك عرفت القراءة بلغة «برايل» قبل أن يخترعها ذاك الفرنسي «لويس برايل» عام 1824، مستشهداً ببيت من شعرك:
كَأَنَّ مُنَجِّمَ الأَقوامِ أَعمى
لَدَيهِ الصُحْفُ يَقرَؤُها بِلَمسِ
المعري: وما العجب! الشعر أحد رواة الصدق في التاريخ والتراث الإنساني، وبه تقاس الحضارات ومنجزاتها عبر العصور.
دانتي: كل مراجعكم العرب أبيات من الشعر، لا حجج ولا براهين عقل!
المعري: انظروا من يتكلم عن العقل، لولا العرب وترجماتهم لما انتبهتم للفلسفة اليونانية، ثم بالله عليك لقد كتبت ما أسميته الكوميديا الإلهية بلهجة عامية، وكأنها لسان النساء ربات المنازل باعترافك، وكان عمرك حينها 32 عاماً! وكتبت أنا رسالة الغفران، وقد تجاوزت الأربعين عاماً، سن النضج والحكمة.
دانتي: العمر غير مقياس للمعرفة والوعي، ولا تنس ما يقدمه لك عصرك المتطور!
المعري: كان عصري متطوراً، وأنتم في ما كنتم تسمونه بأنفسكم عندكم بالعصور الوسطى الظلامية، ولا تنس أنك أتيت بعدي بـ208 أعوام، وقد توفيت وعمرك في منتصف الخمسين، ولم تتجاوز الستين، وأنا بلغت من العمر عتياً حيث بلغت التسعين.. هناك فارق المعرفة والتجربة والإيمان الذي يجهله العبّاد، ويعرفه الفلاسفة المؤمنون المتعمقون بعلوم الكون وجوهر الإنسان.
دانتي: شاهدت ما فعلت لي روما من مجد، وتماثيل ومسميات في كل مناحي الحياة، وصدّرتني إلى العالم، وأنت لا ذكر لك إلا بذلك التمثال النصفي في قريتك، وكلما جاء فريق حطم جزءاً منه.
المعري: سأبقى ما بقيت كلماتي، وما تحطيم رأس تمثالي إلا لأنني قلت فيهم مرة وقبل قرون:
يسوسون الأمور بغير عقلٍ
وينفذ أمرهم فيقال ساسةْ
دانتي: دعني وجهنمي، لك نارك، ولي سعيري!
المعري: لك دينك، ولي ديني! وإن أخفيت إعجابي بك، فلأنك مثلي خرجت من عباءة التدين إلى معنى الدين والأخلاق!
دانتي: ها قد تصالحنا في النهاية، هذه بوابة الجحيم «La Porte de l’Enfer» كما تخيلها من جاء بعدنا المثّال الفرنسي «أوغست رودان»، مستوحياً شخوصها من كتابي «الكوميديا الإلهية»!
المعري: أيها الإيطالي أنت كثير الادعاء «بوابة الجحيم» لـ«رودان» هي مزيج لأعمال فنية وأدبية تخص غيرك أيضاً، قبلك وبعدك، مثل: «بوابة الفردوس» الموجودة في فلورنسا لمواطنك الفنان الإيطالي «لورينزو جيبرتي»، وعمل مواطنك الآخر الفنان الجميل «مايكل أنجلو»، «الحساب الأخير أو يوم القيامة»، وديوان الشاعر الفرنسي «بودلير» «أزهار الشر»، و«الكوميديا البشرية» للروائي الفرنسي «بلزاك»، يا لك من مدع!
دانتي: دعك من ذلك، هي أراجيف، لعلنا أول القادمين الخالدين فيها، مرحبين بضيوفنا الساكنين كتبنا أيها الصديق اللدود، هناك متسع للمشاحنات والمشاجرات بشهود الشهود.. دعني أقُدْك أيها الأعمى المجدور!
المعري: لا تقُدني، فالطريق لجهنم سالك، وبوابتها تتسع للكثيرين، وأنا في داخلي أخشى على أصابعي منك أيها النصاب واللص الإيطالي أن تسرقها، كما سرقت كتابي «رسالة الغفران»!