الإثنين 16 سبتمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورات العربية.. إرادة الحياة

الثورات العربية.. إرادة الحياة
26 يناير 2012
خصص المؤلف زهير الخويلدي فصلا في كتابه “الثورة العربية وإرادة الحياة: مقاربة فلسفية” فصلا عن الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، فالكل يعلم أن أكثر الشعارات تداولاً في الثورات العربية الأخيرة هي: “الشعب يريد...”، وقد انطلق الشعار من تونس وهو مستمد من بيت الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي: اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر وجاء في الكتاب أن جل المنتفضين رددوا بيته الشهير وتجادل الناس حول منزلته وآثاره ومخلفاته وما أحدثه من تأثير على الثورة العربية. ويجزم المؤلف بأن البحث عن الإصلاح بالشعر والتلويح بالثورة بالكلمة والتحريض على الحياة بالقصيدة لم يكن وليد اللحظة الراهنة فحسب بل تضرب جذوره في الماضي القريب. الشابي ملهماً كان الإصلاح من اهتمام الشعراء والأدباء الّذين ارتبطت تجاربهم وملحماتهم بمقاومة الاستعمار ومحاربة الجهل. ولعلّ أبو القاسم الشابي (1909- 1934) هو واحد من هؤلاء المبدعين الذين لم يعمروا طويلاً ولكن الحياة القصيرة لم تمنعه من أن يملأ الدنيا ويشغل الناس سواء في حياته أو بعد رحيله بعقود. لقد أصبح شاعر الجريد والخضراء أحد القمم الشعرية العالمية التي ترجمت أعمالها إلى لغات أجنبية وكتبت اسمها بأحرف من ذهب في وجدان الشعوب. يقول الشابي: أيها الشعب! ليتني كنت حطاباً فأهوي على الجذوع بفأسي! ليتني كالسيول إذا سالت تهد القبور! رمساً برمسِ! ليتني كالرياح فأطوي كل ما يخنق الزهور بنحسي! ليتني كنت كالشتاء أغشي كل ما أذبل الخريف بقرسي! ليت لي قوة العواصف، يا شعبي فألقي إليك ثورة نفسي! تضرم نار الثورة في قلب الشاعر الشاب وتنبثق فصول الملحمة الوطنية بقوله: “لقد أصبحنا نطلب حياة قوية مشرقة ملؤها العزم والشباب، ومن يتطلب الحياة فليعبد غده الّذي في قلب الحياة...أما من يعبد أمسه وينسى غده فهو من أبناء الموت”. ويتغنّى الشابي بالحياة ويدعو إلى الكفاح بقوله: إن الحياة صراع فيها الضعيف يداسُ في فصل آخر من الكتاب يحلل المؤلف دلالات كلمة سياسة في لغة الضاد مشيراً إلى أن السياسة “تطلق على فن تدبير المعاش بإصلاح أحوال العباد على سنن العدل والاستقامة، وذلك من خلال تجسيد قيم عليا عبر ممارسة أفراد الجماعة حيث يتم الانتقال من الاجتماع الطبيعي المؤقت إلى الاجتماع المدني الدائم. وجاء في لسان العرب لابن منظور أن السياسة فعل السائس وهي رياسة وتولي أمور الناس وملك أمرهم والقيام على الشيء بما يصلحه وذلك بركوبهم وترويضهم وتذليلهم”. ويضيف: “السياسة سواء كانت أمر ونهي أو إرشاد وإصلاح فإنها مجموعة من الآراء والمحاولات لتدبير أمور الناس على مقتضى النظر العقلي والشرعي وتسليط بكليات الفقه وأحكامه على متغيرات الواقع عبر التاريخ”. ويتابع: “السياسة نوعان: النوع الأول سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر... والنوع الآخر سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها... والسياسة المدنية من أقسام الحكمة العملية وتسمى بالحكمة السياسية وعلم السياسة وسياسة الملك والحكمة المدنية وهو علم تعلم منه أنواع الرياسة والسياسات والمجتمعات المدنية. ومن هذا المنطلق فإن ابن خلدون قد ربط السياسة بالملك والذي اعتبره موجود لخير الإنسان بمقتضى الفطرة والهداية لا بمقتضى الفكرة والسياسة ومن علاماته التنافس في الخلال الحميدة، أضف إلى ذلك أنه قرن الملك بالتغلّب والقهر والعصبيّة والمجد والسلطان وسمّى العلاقة الجيّدة بين السلطان والرعيّة بالملك الّتي ترمي إلى المصلحة العامة وينبني الملك على أمور هي: ? حاجة الناس إلى الاجتماع ليتمّ لهم العمران. ? الاقتناع بانّ ذلك الاجتماع لا يستتبّ ولا يستقيم إلا بانتصاب وازع يردع المعتدي. ? الاعتقاد بأنّ الملك المنصب له الشوكة والقوة الكافية ليكون حقّا وازعا. ? الفرد يستمدّ قوّته من عدد الملتفين حوله وعدّتهم ومن إيمانهم بمشاركته في مجده والانتفاع به. ? قوّة الملك من العصبيّة. ? قوّة العصبيّة من ما جمعت إليها وألحقت بها من عصائب أخرى. ويربط المؤلف بين هذه المفاهيم والربيع العربي مؤكدا.. إنّ أهمّ أولويّات السياسة للثورة العربية هي تحقيق الوحدة العربية عن طريق الديمقراطية الاندماجية واستعادة الحلم (اليوتوبي) بتحرير فلسطين وفك الارتباط مع الدوائر الإمبريالية وإعادة العراق إلى الحاضرة العربية وإقامة مؤسسات مدنيّة تقطع مع كلّ أشكال التسلّط والاستبداد. ويتساءل الباحث: متى نرى العائلة الإسلامية العربيّة التّقدّميّة موحّدة في إطار تنظيمي واسع يخدم الوطن والأمة ويساهم من موقعه في التعددية وبناء مؤسسات عصرية ضمن دولة ديمقراطية؟ أليس تحقيق المصالحة بين الشعب ودينه هو حبل الأمان الّذي يحفظ للمرء عرضه وماله ودينه ونفسه وعقله؟ وكيف ترتبط محبة الإنسان لأخيه بمحبة الناس جميعا لله؟ أوَلم يقل عزّ وجل: “قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم”؟. تساؤلات وفي سياق الحديث عن الربيع العربي فإن الفرضية التي ناقشها المؤلف زهير الخويلدي تتمثل في قوله أن معاناة الأنظمة العربية من أزمة في المشروعية وما يسميه بؤس الواقع الاجتماعي وانغلاق العالم السياسي وتعاظم درجات نقص الشرعية هي الّتي أدت - حسب تحليله - إلى تصاعد الاحتجاجات ومن ثمة انهيار الأنظمة وتزايد المطالب بضرورة التغيير الجذري وقيام الثورة الشعبية والتوجه نحو القطيعة مع الماضي الشمولي والعود على بدء. وفي هذا السياق فهو يؤكد في كتابه أنه بعد تفجر الثورة العربية يبدو أن الأمور قد عادت إلى نصابها وأصبحت قضية بناء ما يسميه بالمشروعيّة تتصدّر اهتمامات رجال القانون والفلاسفة والمفكرين، بل أنّها قد أحرزت مكانة بارزة في الحقل الفلسفي والسياسي والقانوني وطرحت من جديد في علاقة بالتأسيس ونحت الدستور العصري وعملية الشرعنة وإضفاء الشرعية وحسن الحكمنة وحقوق المواطنة ومبدأ السيادة. ومن الأسئلة والإشكاليات التي يطرحها المؤلف في هذا الكتاب: هل تعاني الدولة المعاصرة في زمن العولمة نقصاً في الشرعية أم أنها واقعة لا محالة في أزمة مشروعية؟ ومن أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ وبالتالي ما هي مصادر هذه المشروعية؟ ويواصل الكاتب طرح مزيد من الأسئلة ومن اهمها: هل أن حكومة قانونية هي دائما حكومة شرعية؟ ما هي التسويغات الإجرائية للحصول على سلطة شرعية؟ وهل الحكم الجامع بين التشريعي والتنفيذي هو حكم قانوني أم شرعي؟ ألا ينبغي أن تنضاف الشرعيّة الأدائيّة إلى الشرعية القانونية حتى نحصل على نظام سياسي ديمقراطي راشد؟. وفي قراءة تحليلية للباحث فإن عدة عوامل ساهمت في تأزم الشرعيّة في الجزء الأول من القرن العشرين من ساحة النقاش العمومي العربي وخاصة منذ صعود ما يسميها بالأنظمة الاستبدادية الشمولية، وسيطرة إيديولوجيات الخلاص الموعود على الساحة الثقافية. والمؤلف استنتج أنّ معطيات عديدة جديدة قد حدثت بعد بلوغ البشرية زمن العولمة وانبلاج فجر العصر ما بعد الصناعي والثورة الرقمية. ومن وجهة نظره فإن آلية الانتخابات في ظلّ التداول السلمي على السلطة عند الديمقراطيات قد لا تكون الوسيلة الشرعية لبناء نسق تواصلي يحقق الخير العام ما دام قانون اللعبة يتحكم فيه مالكو رأس المال و ما دام اقتصاد السوق هو الذي يحدد حصة كل طرف. ويتساءل الكاتب: “هل يمكن اختصار مبدأ الديمقراطية في الممارسة الانتخابية؟ ألا تمنح المشاركة غير المشروطة في الانتخابات الدورية غير المتكافئة المشروعية على أنظمة سياسية فاقدة للشرعية؟ هل المطلوب هو الديمقراطية التمثيلية أم التشاركية؟ هل يمكن أن تمثل السيادة الشعبية هي المرجعية الشرعية للدولة القادمة؟ وما المقصود بالشرعية الثورية وأي دور للحكمنة في إضفاء المشروعية على الأنظمة السياسية؟ وماهي شروط قيام مؤسسة الحكمنة؟ ما العمل أمام أنظمة سياسية تربط فعل الشرعنة بممارسة قوة الإكراه وفاقدة للشرعية القانونية ولشرعية الأداء والوظيفة في الآن نفسه؟ وهل من المشروع أن نراقب المؤسسات بواسطة القوانين أم يجب إحداث هيئة قضائية تصون تطبيق القوانين من كل إخلال وتسويف؟ وكيف تصان قيم الثورة العربيّة ونصل بها إلى بر الأمان؟. والمؤلف سعى في هذا الكتاب إلى الإجابة على هذه الأسئلة مؤكداً أن الثورة العربية قد فتحت الباب على مصراعيه من أجل ما يسميه الاستئناف الحضاري الثاني، وبعث فلسفة الضاد من رقادها، وتجديد المناهج العلمية والأدبية في الإسلام، وزرع نبتة الديمقراطية في التربة العربية، كما شرّعت لقيام مدينة أنسية مفتوحة على المعمورة يدبرها مع غيرهم فاعلون بررة ومواطنون أحرار. والمؤلف يجزم في كتابه أن هذا الرهان العلمي الجماعي المنشود لن يتحقّق سوى بإطلاق باب الحريات وامتلاك الشباب المسلم لناصية الفعل السياسي وغرس مفهوم المواطنة. الكتاب: الثورة العربية وإرادة الحياة: مقاربة فلسفية المؤلف: زهير الخويلدي الناشر: الدارالتونسية للكتاب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©