رضاب نهار (باريس)
يكشف معرض «العلا، واحة العجائب في الجزيرة العربية» الذي يقام في معهد العالم العربي في باريس ويستمر لغاية 19 يناير المقبل، للزائر الغربي أسرار صحراء العرب، مستعرضاً آثار المنطقة ومنحوتاتها المذهلة بأكثر من طريقة تعكس جميعها عراقة ماضيها وقوة حاضرها.
وفي الواحة الواقعة في المملكة العربية السعودية، كان الفنان والكاتب والمصور الفوتوغرافي الفرنسي يان آرثر برتراند Yann Arthus-Bertrand، على موعد مع سحر الشرق وسط فضاء عربي أصيل رسمته وكوّنته الطبيعة الأم، مأخوذاً بالتراث الغني للمنطقة، ومحاولاً بموهبته الفريدة أن يختصره في مجموعة صور عرضت على ثلاث شاشات عملاقة جنباً إلى جنب مع القطع الأثرية.
كانت رحلة برتراند إلى الواحة بطلب من معهد العالم العربي في باريس والهيئة الملكية لمحافظة العلا في المملكة العربية السعودية وبدعم من «الوكالة الفرنسية لتطوير محافظة العلا» (AFALULA) برئاسة جيرارد ميستراليت. وأسهمت أعماله التي أنجزها خلال الرحلة، في تسليط الضوء على الواحة باعتبارها بقعة من الأرض دبّت فيها الحياة منذ آلاف السنين بفضل خصوبتها. وهو الأمر الذي سعى إليه القائمان على المعرض، عالمة الآثار الفرنسية ليلى نعمة، وعالم الآثار السعودي عبد الرحمن السحيباني.
بدوره أوضح برتراند أنه حلم بالمجيء إلى العلا. وعندما تمت دعوته للعمل ضمن هذا المشروع، لم يتردد ثانية. وبيّن أن الواحة أذهلته بروعة وضخامة آثارها، خاصة النحت في الصخور الخام، فضلاً عن تنوع مناظرها الطبيعية. وقال: «لن أرى مثلها أبداً».. لذا حاول من خلال لقطاته الجوية التي تناولت الواحة من كافة الاتجاهات، أن يجمع عناصر المكان كلها في صورة واحدة.
وبشكل عام يغوص المعرض داخل أسرار الواحة التي كانت قديماً الطريق الواصلة بين قوافل الشرق والغرب بحسب موقعها في شمال المملكة العربية السعودية. وينبش في مكوناتها التاريخية والحضارية عبر قرونٍ مضت. كذلك يساعد المعرض من لا يعرف تاريخ المنطقة جيداً، على استكشاف دورها الحيوي في الحضارة البشرية الذي لطالما استقطب الرحالة والمستكشفين وعلماء الآثار من كل أنحاء العالم، بدءاً من الرحالة الشهير ابن بطوطة. بالإضافة إلى أنه يعطي لمحةً مختصرة ودقيقة عن تطورات وتحولات المنطقة بين الماضي والحاضر، مستعرضاً الممالك القديمة التي أقيمت في شمال الجزيرة العربية، ومن بينها مملكتا دادان ولحيان، ومدينة الحِجر النبطية، التي تعد أول موقع في المملكة العربية السعودية يسجل ضمن قائمة «اليونسكو» لمواقع التراث العالمي.
يأتي المعرض حصيلة أبحاث عشرين عاماً، حشدت الطاقات والإبداعات العلمية من أجل إبراز واحة العلا ثقافياً وتاريخياً للعالم دون إهمال روعة جوانبها التضاريسية.
جميع مقتنيات المعرض من صور وقطع أثرية ومنحوتات، تقدّم الصحراء العربية كلوحة فنية من أجمل اللوحات العالمية. إنها فضاء واسع من الغنى اللوني الذي يتدرج على مساحات كبيرة بين الأحمر والأصفر كرمالٍ وكآثار مشيّدة يشهد بعضها على نشأة الخط العربي في المكان. أما تلك الصخور البركانية التي ما زالت شامخة، فهي الدليل على خصوبة أرض الجزيرة العربية، ليس زراعياً فقط، وإنما جغرافياً أيضاً.
وفي إشارة معهد العالم العربي في باريس للمعرض، عبر موقعه على الإنترنت، ساق من الشعر ما يكفي لوصف الرحلة إلى واحة العلا، مؤكداً أنها رحلة إلى أرض بساتين النخيل والأضرحة والمقابر الصخرية ومسارات القوافل. وأنها تحمل ذكرى اثني عشر قرناً من التاريخ فيها الكثير من الوقفات المهمة، أماكن مقدسة، سكة حديد الحجاز الخالدة، التوابل والبخور والعطور، ليمون وبرتقال وغير ذلك الكثير مما يستطيع سكانها روايته للأجيال القادمة.
قد لا يغني التجول في المعرض عن زيارة هذه الأعجوبة العربية على أرض الواقع، إلا أنه يعطينا فكرة عن الضخامة التي تشكّلت في الواحة على هيئة مبانٍ ومنحوتات أثرية مبهرة. إنه ببساطة صورة تعكس سحر الشرق العربي في العاصمة الفرنسية باريس.