يظهر المنهج الأكاديمي في كتاب “تمثيلات المرأة في الرواية الإماراتية” للدكتور رسول محمد رسول الصادر حديثا عن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع من خلال تعريف المفاهيم النظرية التي يستدعي أدواتها للبحث والتقصي. وفي طليعة تلك المفاهيم مفهوم التمثيل الذي ينتمي إلى حقل الدراسات الإدراكية المعاصرة متتبعا تطور وتبدل المرجعيات التي كان ينتمي إليها. إن هذا المفهوم المركب الذي يتألف من مقطعين يعني الأول تقديم الشيء وإحضاره، بينما يعني الثاني إعادة النظر والتفكر في الشيء، يعني في دلالاته إعادة بناء الشيء وتصويره وخلقه، مما يعني وجود عناصر متحركة ومتداخلة جوهريا يحددها الباحث في الحضور الذي يعني وجود ظاهرة قابلة للإدراك، ثم المتمثل المبدع صاحب القدرة على إدراك وتخيل وإعادة بناء الصورة بشكل فني، وأخيرا هناك المتَمَثل المحدد بمجموع الأعمال الإبداعية لفنان أو كاتب أو فيلسوف. إن التمثيل بوصفه تجربة فردية ذاتية لا تعني أن المبدع الذي لا يمكن أن يكون بعيدا عن التفاعل مع الواقع يعيش تلك التجربة بمنأى عن التجربة المجتمعية، الأمر الذي يجعل التمثيل الموضوعي يؤسس غالبا للتمثيل الذاتي/ الفردي بحيث يصبح التمثيل هو الحضور البنيوي للمجتمع والتاريخ والخصوصيات في أية تجربة. من هنا يرى أن الرواية الإماراتية سوف تحضر فيها الانتماءات الاجتماعية والتاريخية والثقافية والجغرافية الهوياتية.
يتخذ الكتاب من رواية “زينة الملكة” للأديب علي أبو الريش بداية حيث يأتي هذا الاختيار انطلاقا من الحضور اللافت للمرأة الإماراتية فيها ممثلا بشخصية زينة الشخصية المحورية في الرواية. ثم يتحدث عن علاقة الشخصية بالمكان وعلاقتهما معا بالتمثيل الجمالي الذي تقوم العتبة السردية للرواية برسم صورة انطولوجية لتلك الشخصية الفقيرة التي تعيش في خيمتها في حي هامشي ما يجعل بداية السرد يقدم للقارئ مفاتيح كثيرة تقوده للتعرف إلى حقيقة تلك الشخصية الوجودية بمعناها الفلسفي كما يرى الباحث. وأول ما يشير إليه هو التعويض على نزعة الأمومة التي لم تعشها زينة بتسمية حيواناتها التي ترعاها بأسماء بشرية، بل هي تتعامل معها كأنها أولاد لها كما حدث مع موت قطتها (سلوى) الذي خلَّف عندها حزنا مقيما. ومقابل شخصية زوجها يوسف الرواي (وكان يجب البحث في دلالة التسمية) وقططها وكلبها فهد تظهر الشخصيات السلبية لزينة ممثلة بشخصية مهرة والنوخذا أحمد بن سلطان والخضر. كما يتحدث عن فكرة الموت التي ظلت تلاحق البطلة بعد رحيل زوجها وموت قطتها حيث يرى في ذلك محاولة من الكاتب لمنح بطلته درجة عالية من الوعي بالوجود رغم شح تعليمها، وبذلك يكون الروائي قد استنطق الصمت الوجودي النسوي ووضعنا عند عتبة الوعي الشقي بالحياة والإدراك المؤلم للوجود، جعله ـ كما يقول ـ يشتغل على موضوع لم يشتغل عليه روائي إماراتي آخر.
الرواية النسوية الأولى التي يتناول فيها تمثيلات المرأة هي رواية ساره الجروان “طروس إلى مولاي السلطان” التي تتميز ببنيتها السردية والأسلوبية المعقدة الناجمة عن تداخل العلاقة بين مؤلف النص والمؤلف الضمني، الأمر الذي يجعله يرجح بأن شخصية حصة هي شخصية المؤلفة نفسها والتي تعتبر الذات الثانية لكل من المؤلفة والمؤلف الضمني في الرواية. يتناول ملامح اللغة السردية التي تحيل على البيئة المحلية الإماراتية باستخدام أكثر من ستمائة مفردة من مفردات اللهجة المحلية، تتحدث بها شخوص الرواية أثناء الحوار. ويركز الباحث على الكشف عن هوية المرأة الإماراتية في النص الروائي باعتباره محور الدراسة فيجد أنه حتى الصفحة الخمسين لم يكن للمرأة أي حضور لافت في أحداث الرواية، بينما يشكل زواج جمعة بن موزة بعد موتها وانعكاساته القاسية على زوجته الأولى مولدا لحراك درامي نسوي. ومما يلاحظه على تمثيل الكاتبة للمرأة أنها قدمت المرأة بوصفها رحما لتفريخ الأولاد رغبة منها في الكشف عن نظرة المجتمع الخليجي للمرأة. لكن الموقف الذي تظهر المرأة فيه حضورها على خلاف المواقف السابقة هو رفض سهيلة لزواج جمعة على خلاف زوجاته الأخريات اللواتي لم يفعلن ذلك حتى قراره بالرحيل إلى منطقة العين الذي قوبل بموقف الرفض الجماعي منهن.
وفي روايتها الأولى “رائحة الزنجبيل” تكشف صالحه عبيد غابش عن بناء روائي محكم ولغة لا تخلو من شعرية إضافة إلى إدراك حقيقي لحراك الواقع الاجتماعي والتاريخي للمجتمع الإماراتي الحديث الذي تنتمي إليه شخصيات الرواية. ولعل ما يلفت الباحث منذ فاتحة السرد هي شخصية بطلة الرواية الدكتورة علياء أحمد الغافي المثقفة وسيدة الأعمال التي تعيش في أسرة ميسورة. وتتسع دائرة تمثيلات البطلة مع تنامي حركة السرد لاسيما من خلال مقابلة شخصيتها بشخصيات أخرى. ومع شخصية بخيته في رواية مريم الغفلي التي حملت اسم “طوي بخيته” يقارب عالم الرواية التي تميزت مضمونيا طابع التعبير الهوياتي عن المجتمع الإماراتي ممثلا بشرائحه الصحراوية غير المستقرة بسبب البحث عن الماء والكلأ والأمان. ثم يتحدث عن الحضور الرئيس والمكثف للمرأة التي حاولت الروائية تقديمها بصورة فاعلة، وسعت للكشف عن شخصية البطلة تدريجيا وفي مقدمتها صفة التعلق بالوطن. أما على مستوى التمثيل النسوي فيرى أنها قدمت عبر شخصية بخيته أنموذجا للمرأة الإماراتية البدوية وأبانت الكثير من حياتها.