عمرو عبيد (القاهرة)
ما زالت حلقات مسلسل التحدي بين جاريث بيل وريال مدريد مستمرة، لاسيما عقب تجاوز الويلزي كل الخطوط الحمراء، بحمل لافتة ساخرة من «الملكي» خلال احتفاله بتأهل منتخب بلاده إلى نهائيات «يورو» 2020، لكن الأمر لم يكن مفاجئاً للإعلام الإسباني، الذي بدأ في الهجوم على بيل خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب الابتعاد عن تدريبات «الميرنجي» بحجة الإصابة، لكنه يعود ويشارك مع ويلز الملقب بـ«التنين» في التصفيات القارية، ولم يعد هناك مجال للشك، في أن بيل يُفضّل ويهتم باللعب مع بلاده، مواصلاً تجاهل كل ما يدور حوله داخل القلعة البيضاء، بل إنه وضع ممارسة رياضة «الجولف» في ترتيب أولوياته، قبل ارتداء قميص الريال، ويبدو أن العلاقة بين الطرفين تتجه إلى منعطف خطير، ربما بدأ مبكراً قبل انطلاق الموسم الحالي، عندما أدرك بيل أن زيدان لا يرغب في وجوده داخل قائمة فريقه!
الأمر ذاته يتكرر، بصورة أقل حدة، مع الكولومبي، خاميس رودريجيز، الذي كان خارج حسابات إدارة «الملكي» قبيل بداية الموسم الجاري، فاتهمته الصحف الموالية للريال، بأنه يتعمد الغياب بداعي الإصابة، لكنه لا يتأخر عن نداء «لوس كافيتيروس»، والحقيقة أن الولاء للوطن والاهتمام باللعب لمنتخب البلاد، على حساب النادي، أمر لم يعد معتاداً منذ التوغل في عصر احتراف اللعبة، بل إن العكس هو الصحيح، حيث يفضل كثيرون اللعب للأندية، وعدم تلبية نداء أوطانهم، خاصة في بعض القارات الفقيرة، وعلى رأسها أفريقيا، في حين يحافظ كبار النجوم الأوروبيين، على الدفاع عن ألوان قمصان منتخباتهم، حتى لو كلفهم الأمر، مقاعدهم داخل قوائم أنديتهم!
ويبقي سؤال، هل الولاء للبلاد هو الدافع الوحيد لمثل هذه المواقف الصارمة، أم أن العناد بين اللاعب وناديه هو السبب الأول؟ ولعل ما حدث من جانب البرازيلي، نيمار، مع إدارة بي إس جي، قبل انطلاق المونديال الروسي الأخير، مثال آخر واضح، حيث أصيب جناح السليساو مع الفريق الباريسي، في كاحله ومشط قدمه، ليغيب عن الكثير من المباريات الهامة للفريق في «تشامبيونزليج»، رافضاً أي محاولة للمغامرة باللعب مع النادي، ثم قرر نيمار بصورة فردية، التوجه إلى بلاده، من أجل إجراء عملية جراحية، ليكون جاهزاً للعب مع «راقصي السامبا» في كأس العالم 2018، ولم يعر انتباهاً لغضب الفريق الفرنسي من هذا القرار المفاجئ، وأصر على تنفيذه، وعاد بالفعل للعب بقميص «الكناري» وقتها، ومنذ ذلك الوقت، بدأ نيمار محاولاته المستميتة للتخلص من تعاقده مع بي إس جي.
ويشير التاريخ القديم إلى وضع يختلف تماماً عما نشاهده في عصر الاحتراف الكامل حالياً، لأن نداء الوطن كان الأهم لدى كثير من أساطير اللعبة، حتى بعض الذين مارسوا اللعبة تحت مظلة الاحتراف، ولا يُنسى ما فعله الظاهرة «رونالدو»، خلال 5 سنوات، بين 1997 و2002، عندما ظل يعاني كثيراً من إصابته المزمنة في الركبة، التي أثرت عليه خلال فترة اللعب مع «إنترناسيونالي»، مكتفياً بالمشاركة في حصد لقب كأس اليويفا في موسم 1997/1998، بعد أن غاب عن أغلب مباريات «الأفاعي» خلال 3 مواسم متتالية، منها انقطاع تام عن اللعب في موسم 2000/2001، لكن البرازيلي الفذ، أجرى جراحتين في ركبته، من أجل اللحاق ببلاده في معترك مونديال 2002، وحقق ما أراده، ليقود «السليساو» إلى اللقب الخامس التاريخي، ويحصد لقب الهداف، لكن هذا الأمر لم يكن غريباً على المقاتل الموهوب، الذي كان الأبرز في مونديال 1998 أيضاً، لكن إصابته المرضية الشهيرة في نهائي النسخة الفرنسية، حرمته من التألق في المباراة النهائية أمام أصحاب الأرض، والكل يذكر أنه تحامل على نفسه وشارك أمام الديوك، برغم أن حالته الصحية كانت تنذر بكارثة وقتها!
بيليه.. مارادونا.. وأوباميانج نماذج في الوفاء
في عصور ما قبل الاحتراف، توهج الجوهرة «بيليه» مع منتخب بلاده، حاصداً مجداً لم يحققه غيره، بفوزه بثلاثة ألقاب في كأس العالم، وكان الأسطورة البرازيلية حجر الزاوية في تلك الانتصارات التاريخية، التي أسهمت في وضع «السامبا» فوق القمة العالمية حتى الآن، لكن عند مقارنة تاريخ «بيليه» على مستوى الأندية، بما حققه مع منتخب بلاده، لن نجد شيئاً كبيراً يُذكر، باستثناء رقمه القياسي الفردي، بتجاوز الرقم 1000 في عدد أهدافه.
ولا يختلف وضع أيقونة الأرجنتين «مارادونا»، الذي صنع مجده الكبير في مونديال 1986، بعد أداء مذهل خيالي، لم يتكرر حتى الآن، في تاريخ اللعبة، لكن مسيرته مع الأندية لم تكن مماثلة لهذا النجاح الأسطوري مع «التانجو»، حيث اكتفى بأزمات كثيرة وإصابات كادت تنهي حلمه الكروي مع برشلونة، وكان التتويج بكأس اليويفا مع نابولي، هو الأبرز له مع الأندية.
وفي زمن آخر ووضع مختلف، وسط مئات الحالات من حصول لاعبين أفارقة على جنسيات أوروبية، واللعب لمنتخباتها بدلاً من الدفاع عن قمصان أوطانهم الأصلية، يتوهج الجابوني «أوباميانج» مع أرسنال الإنجليزي، وقبله بروسيا دورتموند الألماني، وتشير التقارير الحالية إلى بداية صراع جديد، بين البارسا والريال، من أجل الظفر بخدمات هدّاف «الفهود» التاريخي، الذي رفض عرضاً للعب مع منتخب إيطاليا تحت 19 عاماً، ثم شارك في مباراة ودية واحدة مع منتخب فرنسا تحت 21 عاماً، قبل 10 سنوات، وبرغم وجود اقتراح للعب مع منتخب إسبانيا للشباب، إلا أن «أوبا» رفض كل هذا، من أجل منتخب وطنه، الجابون، الذي قاده والده في عصر سابق، وبرغم أن «الفهود» لا يُعد ضمن كبار القارة السمراء، ولا يمتلك تاريخاً عالمياً، لكن نجم «المدفعجية» الحالي فضّله على عمالقة أوروبا!