إيهاب الملاح
بوداعته التي لا مثيل لها، وصمته المبين، وكتابته الهادرة، غادرنا الكاتب الكويتي القدير إسماعيل فهد إسماعيل أحد آباء الرواية العربية، والأب المؤسس للرواية الكويتية والخليجية، وأحد الكبار الذين أضاءوا الثقافة العربية بإنجازاتهم ليس فقط الإبداعية بل والنقدية والفكرية، رحل عن ثمانية وسبعين عاماً تاركاً مكتبة باذخة من الروايات والمجموعات القصصية والدراسات النقدية والأدبية والمسرحية.. وشجاعة سردية وفنية في معالجة الموضوعات الشائكة وحنكة روائية في مقاربة المحظور والممنوع والمرغوب!
وإذا كانت «علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها»، المقولة التي استهل بها سعود السنعوسي تلميذ إسماعيل فهد إسماعيل «النجيب»، فإنها في الوقت ذاته أحد مفاتيح تجربة إسماعيل فهد، الإنسانية والكتابية معاً، فلم يقدم الرجل شيئاً إلا بدافع الفهم والتأمل والإنصات، ورغم غزارة إنتاج إسماعيل فهد إسماعيل اللافتة، فإن قيمة هذه الأعمال فرضت حضورها ومكانتها بين مدونة الإنتاج السردي (الروائي والقصصي) في الخليج العربي، وعلى امتداد خمسة عقود متصلة.
استهل إسماعيل فهد إسماعيل تجربته الإبداعية بكتابة القصة القصيرة، ثم انتقل إلى كتابة الرواية، ومارس النقد الأدبي، وكتابة المقال، والدراسة الأدبية والتأريخ الدرامي والمسرحي.
في العام 2015، توج إسماعيل فهد إسماعيل بجائزة سلطان العويس الثقافية، الرفيعة، وعاد اسمه للسطوع والظهور بعد فترة خبت فيها الأضواء عنه، وتوارى هو بذاته عن الأنظار، وإن كان في كامل حيويته ولياقته الكتابية والإبداعية فلم يتوقف لحظة لا عن الكتابة ولا الإبداع.. وضعت حيثيات فوزه بالجائزة أصبعها على أحد مكامن تفرد الإبداع لدى إسماعيل فهد إسماعيل وتميز إنتاجه السردي والروائي «فقد قدم سرداً بمستويات ثابتة، مفتوحة ومختلفة، جعلت من خطابه الروائي نصاً مفتوحاً، استوعب المسرح والسينما والفنون البصرية الأخرى، مما أخرج النص الروائي في الخليج إلى عوالم عربية أكثر رحابة وشمولية».
وكان فوزه بالجائزة المرموقة مناسبة للوقوف على بعض ما قدم إسماعيل فهد إسماعيل في مجال الرواية، ومن بين كل ما كتب على غزارته وضخامته وشساعة فضاءاته الزمانية والمكانية، تبرز جوهرته الروائية الأنيقة «الكائن الظل» باعتبارها نموذجاً فريداً في استلهام التراث العربي ونسج نص روائي معاصر يطرح سؤال القمع والاستبداد موظفاً أقنعة السرد التراثية والتاريخية ببراعة ليس لها نظير.
هذا الروائي المبهر في روايته الساحرة «الكائن الظل» (صدرت عن سلسلة روايات الهلال في ديسمبر 1999)، يستعرض قدراته السردية بثقة وفتوة ورسوخ، ويبرز سعة اطلاعه التراثية للدرجة التي يتحول فيها المشهد الروائي إلى مشهد سينمائي مكتمل بكل عناصره.
أما في آخر ما كتب «على عهدة حنظلة» فيوظف الرمزين الفني والسياسي ويكتب مرثية حزينة لمأساة الوطن المفقود. ولا يستحضر إسماعيل صوت ناجي العلي في الرواية إلا لكي يستحضر فنه من خلال أشهر شخصياته: «حنظلة».
باختصار قد يكون مخلاً وقد لا يحيط بتلك الفضاءات المترامية التي تشكل إبداع إسماعيل فهد إسماعيل، فهو لم يكن فقط من العلامات البارزة في المشهد الروائي العربي بشكل عام، والمشهد الروائي الكويتي بشكل خاص، بل كان أحد حفاظ الذاكرة الأدبية والنقدية الكويتية والخليجية بصفة عامة.
إضاءة تاريخية
كتب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل في مختلف أنواع الفنون الأدبية، فله مجموعتان قصصيتان هما: «البقعة الداكنة» (1965)، و«الأقفاص واللغة المشتركة» (1974). كما أن له مسرحيتين: «النص» (1980) و«العرض لم يبدأ». أما أبرز مجالات إنتاجه فهو الرواية، إذ كتب عدداً كبيراً من الروايات، منها روايته «كانت السماء زرقاء» (1970)، و«المستنقعات الضوئية» (1970)، و«الحبل» (1972)، و«الضفاف الأخرى» (1973)، و«ملف الحادثة 67» (1974)، و«الطيور والأصدقاء» (1980)، و«النيل يجري شمالًا البدايات» (1981)، و«النيل يجري شمالًا النواطير» (1983)، و«النيل الطعم والرائحة» (1989) التي أبرز فيها النضال الفردي وواقع النضال الفلسطيني.
أما عمله الروائي الضخم، فهو السباعية الروائية الموسومة بـ«إحداثيات زمن العزلة» (1996)، وأرخ فيها روائياً ليومياته خلال فترة الغزو العراقي على الكويت، وعنون كل جزء منها بعنوان مستقل.
وله روايات أخرى منها: «يحدث أمس» (1997)، و«سماء ناتئة» (2000)، و«مسك» (2009)، كما صدرت له مسرحية «للحدث بقية» (2008) ومجموعة قصصية بعنوان «ما لا يراه النائم» (2009).
اقرأ أيضاً.. "الكُتاب العرب" ينعى مؤسس فن الرواية بالكويت