أحمد عبدالعزيز (أبوظبي)
أكد مشاركون في قمة أبوظبي للمدينة الذكية، أن الإمارة تمضي بخطوات متسارعة نحو التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي؛ لتصبح مدينة ذكية في جميع قطاعاتها، مبينين أن مشروع زايد للمدينة الذكية من الخطوات الطموحة التي تفوقت على 4200 مشروع عالمي ومحلي.
جاء ذلك خلال جلسات القمة التي انطلقت، صباح أمس، في فندق جميرا أبراج الاتحاد بأبوظبي وتختتم أعمالها اليوم، ويشارك فيها 10 متحدثين رئيسيين من دول عدة، أهمها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا، ويتم إلقاء 29 محاضرة، وعقد ست جلسات نقاشية فنية عن الإبداع والابتكار في المدن الذكية، ويستعرض المشاركون 15 ورقة عمل في اليوم الأول، وذلك بحضور ممثلي 35 سفارة وبعثة أجنبية لدى الدولة.
وأكد معالي عمر بن سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي، في كلمته الافتتاحية للقمة: «إن دولة الإمارات تحرص على تقديم حلول الذكاء الاصطناعي التي تؤثر بالإيجاب في حياة المواطنين»، مشيراً إلى أن الدولة تعمل على تطبيق الذكاء الاصطناعي على نحو مستدام.
وقال العلماء: «نحرص على استخدام الذكاء الاصطناعي بالشكل الأمثل الذي من شأنه التأثير في حياة الناس إيجاباً، إذ نوظفه حالياً في تشخيص الأمراض الخطرة، وفي التنقيب عن النفط والمعادن، علاوة على تسخير الذكاء الاصطناعي في تطوير البنى التحتية، وهو ما ينطبق على التوجه نحو إقامة المدن الذكية التي تعتمد في أساسها على البيانات، لمعالجة أي تحديات أو تقديم أي خدمات للناس، بشكل آلي وفوري من دون انتظار لتحركات أو قرارات قد تكون صائبة أو خاطئة»، لافتاً إلى أن العالم ينتج كمّاً هائلاً يومياً من البيانات التي يُستخدم القليل منها.
وأضاف معاليه أنه بحلول عام 2050 سوف يعيش أكثر من 6.6 مليار نسمة في المدن، وهو عدد كبير جداً من البشر، الأمر الذي يخلق تحديات مناخية وخدمية كثيرة، منها على سبيل المثال شح المياه وجودة وتوافر الخدمات الطبية، وجميعها تحديات لن يمكن مواجهتها والتعامل معها دون اللجوء للذكاء الاصطناعي، وتحويل المدن التقليدية إلى مدن ذكية، تستطيع من خلال البيانات التحكم في كل ما يقدم للبشر، وتساعدهم وتدعمهم لتلبية الحاجات الضرورية والترفيهية كذلك، منوهاً بوجود مدن مثل سان فرانسيسكو باتت عوائدها ونتائجها الاقتصادية أعلى من اقتصاديات دول بأكملها بفضل الثورة المعلوماتية.
أبوظبي مدينة ذكية
من جانبها، قالت الدكتورة روضة السعدي المدير العام لهيئة أبوظبي الرقمية، في كلمتها بالجلسة الافتتاحية: إن إمارة أبوظبي نجحت في أن تضع أقدامها بين أكثر مدن المنطقة والعالم استخداماً للذكاء الاصطناعي في البنى التحتية، وتقديم الخدمات المختلفة لسكانها، كما استحدثت مدناً ذكية تعتمد كلياً على تكنولوجيا المعلومات، مثل «مصدر» و«المدينة الآمنة» و«مدينة زايد الذكية».
وأضافت السعدي: هيئة أبوظبي الرقمية تحرص على التعاون مع جميع الدوائر والجهات المحلية لإطلاق عددٍ من البرامج الخدمية الرقمية، في إطار خطة التحول الرقمي الكامل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى أنه تم تدريب نحو 80% من الموظفين المرشحين للتعامل مع الخدمات الذكية على أحدث الأساليب والآليات التقنية والتكنولوجية، فيما تعمل «الهيئة» على تدريب الـ20% المتبقين لتصبح النسبة 100% خلال الفترة القريبة المقبلة.
استشراف المستقبل
إلى ذلك، قال أحمد عبدالصمد الحمادي مدير إدارة التخطيط التقني ببلدية مدينة أبوظبي، في تصريحات صحفية على هامش القمة: «إن إمارة أبوظبي لديها مقومات لتصبح مدينة ذكية، ولديها أيضاً ممكنات مهمة جداً منذ أن بناها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ونحن نجني ثمارها الآن، كما أنه لدينا مشروعات سابقة مهمة أيضاً، مثل الإنارة الذكية والري الذكي وإشارات المرور التي يتم التحكم فيها من خلال أنظمة ذكية».
وأضاف أن أهم المشروعات التي أنجزناها هو «مشروع زايد للمدينة الذكية»، وهو خطوة تجريبية لتطبيق «إنترنت الأشياء» في إمارة أبوظبي الذي يعد أحد أفضل مشروعات على مستوى العالم وقد تم عرضه في القمة العالمية للحكومات السابقة في دبي، حيث إن المشروع نافس 4200 مشروع في قمة الحكومات السابقة.
وأشار إلى أن المشروع تم عرضه في أكبر المؤتمرات التقنية على مستوى العالم، وحصل على جائزة في ألمانيا، لافتاً إلى أن بلدية أبوظبي تعتمد في التحول إلى نسق المدينة الذكية على الشركاء والخبراء المختصين في هذا المجال من القطاع الخاص والخبرات العالمية.
ولفت إلى أن إنشاء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يحدث الفارق بشكل كبير ويحقق طفرة مهمة في مجال الخدمات الذكية، ومبادرة «هوب 71» التي تدعم الشركات الناشئة والصغيرة التي تدخل مجالات الابتكار والذكاء الاصطناعي، وكل هذه العوامل ساعدت القطاع الحكومي اليوم ليكون أفضل قطاعات حكومية على مستوى العالم.
وأوضح أن بلديات إمارة أبوظبي توفر أكثر من 400 خدمة رقمية، وذلك يعني أن 98% من المراجعين ينجزون المعاملات دون الحاجة لزيارة مقار البلديات، حيث وفرت هذه الخدمات الرقمية ثلاثة ملايين زائر كانوا يحضرون لإنجاز المعاملات، والآن يمكن تقديم المعاملات في أي وقت وفي أيام العطلات والإجازات، وهذه المرة الأولى في العالم التي تدخل بلدية خدمات رقمية.
وأضاف أن العائد من تطبيق الخدمات الرقمية كان مذهلاً، حيث كان مردود كل درهم تم إنفاقه على التكنولوجيا ثلاثة دراهم ونصف الدرهم، والمعدل أكثر من 300% خلال أربعة أشهر فقط، مشيراً إلى أنه تم توفير 74% من كمية الورق التي كان يتم استخدامها داخل البلدية.
وفيما يتعلق بمشروع زايد للمدينة الذكية، قال الحمادي: «إن هذا المشروع يضم مجموعة حساسات تكون مربوطة بغرفة عمليات واحدة، فيما يخص صف السيارات والإنارة، حيث يشمل المشروع عدداً من الشركاء الاستراتيجيين، مثل مركز أبوظبي لإدارة النفايات (تدوير) وشركة أبوظبي لخدمات الصرف الصحي ودائرة النقل وشرطة أبوظبي».
وأضاف: «إن هناك أمثلة عدة على تطبيق حكومة أبوظبي مشاريع الذكاء الاصطناعي، لعل أهمها إصدار تشريع عبر البلدية لمراقبة خزانات المياه في المباني التجارية، حيث كان من المفترض توفير 50 مفتشاً مرة كل عام للتأكد من عدم تلوثها لعدم حدوث كوارث، ولم يكن ذلك مجدياً، حيث تم تركيب أجهزة حساسات بخزانات المياه التي تعطينا نتائج مباشرة موصولة بغرفة العمليات».
وأشار إلى أن هذه الحساسات تمكن البلدية ومالك المبنى من قطع المياه فوراً إذا تبين وجود أي تلوث، حيث ساهم هذا الحل في توفير عدد المفتشين، بالإضافة إلى وجود عمليات تفتيشية ذكية على مدار الثانية.
ولفت إلى أن البلدية تتوسع في المشاريع الذكية مع الشركاء الاستراتيجيين، من خلال تطبيق أفضل الممارسات على مستوى العالم، حيث إن إمارة أبوظبي من أفضل مدن العالم على مستوى البنية التحتية التي تسهل علينا الكثير من الأشياء، بالإضافة إلى دعم القيادة الرشيدة، حيث لم نطلب أي شيء من الإدارة العليا وتم رفضه.
وعن تحويل خدمات البلدية إلى رقمية، قال الحمادي: «إنه تم تحقيق هذا الهدف بأن تكون خدمات البلدية 100% رقمية، وذلك وفقاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث تبلغ نسبة المراجعين في مقر البلدية 2% يقابله 98% ينجزون معاملاتهم عبر الوسائل الرقمية».
خطط واستراتيجيات
إلى ذلك، أكد المهندس حمد محسن عبدالله رئيس قسم الدراسات والمعايير ببلدية مدينة أبوظبي سعي دائرة التخطيط العمراني والبلديات من خلال «قمة أبوظبي للمدينة الذكية» إلى تعزيز سمعة ومكانة أبوظبي بشأن الآليات التطبيقية للمدن الذكية والذكاء الاصطناعي في كل محاور الحوكمة والخدمات والنقل والطرق والبنية التحتية والسلامة والاستدامة.
وأشار إلى أن القمة تأتي بهدف إبراز جهود أبوظبي في الأعمال التطبيقية للمدن الذكية والاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والخدمات الذكية في العمل البلدي بشكل خاص والعمل الحكومي بشكل عام على أرض الواقع، ضمن المشاريع والمبادرات القائمة والمستقبلية لتحقيق مفهوم المدن الذكية.
وأوضح أن القمة على مدار يوميها تشهد مشاركة 5 جامعات محلية، منها جامعة نيويورك وكليات التقنية العليا وجامعة زايد، كما تشتمل القمة على 17 منصة لشركات تعرض أحدث السبل لمساعدة الحكومات على استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية.
وقال المهندس زهران الحاتمي من بلدية أبوظبي: «إن مطلع العام القادم سوف يتم تطبيق نظام جديد (المسح الميداني ثلاثي الأبعاد) لرفع مساحات المباني من الداخل الذي يسهم في رفع الشكل الداخلي للمباني لتحديد المسافات والأبعاد والمعلومات والبيانات عن المباني الجديدة والقديمة، لإعداد التصميمات الداخلية وأعمال الصيانة بشكل يوفر الوقت، ويعالج عيوب البناء في مراحل الإنشاء المختلفة».
وأضاف: «إن النظام سيتم تطبيقه في مطلع 2020، بهدف المساعدة في تصميم المباني من الداخل وأغراض الصيانة، كما أنه يسهم في خدمة القطاع العقاري من حيث عمليات البيع والشراء، وعرض أبعاد المباني والوحدات العقارية من الداخل بشكل دقيق».
وأشار إلى أن النظام يطبق للبلديات للمرة الأولى، ويمكن ربطه مع الأنظمة الأخرى في علمية البناء لتحديد المدى الزمني الكامل لإنجاز عمليات التصميم من الداخل بناءً على المعلومات الدقيقة والبيانات التي يتم تحليلها، لافتاً إلى أن عملية المسح الميداني تتم خلال خمس ساعات، ويمكن لشخص واحد أن يؤدي المهمة، وتستغرق يوماً واحداً لتحليل البيانات.
«الدفاع المدني» تعتزم إطلاق مشروعين
كشف المقدم مهندس سالم هاشم الحبشي مدير إدارة العمليات بالإدارة العامة للدفاع المدني في أبوظبي، عن أن الإدارة ستطلق مشروعين متكاملين في مجال الذكاء الاصطناعي، هما «بطاقة الهوية للمباني» في إمارة أبوظبي، و«مساعد متخذ القرارات الذكي لإدارة الحوادث».
وقال الحبشي، في تصريحات صحفية أمس على هامش جلسات القمة: «إن المشروعين في طور الدراسة والتطوير، حيث يعتمد مشروع بطاقة الهوية للمباني على جمع المعلومات الخاصة بالمبنى وسجل الحوادث، وكل التفاصيل الخاصة باستجابة فرق الدفاع المدني للمبنى، بحيث تكون موصفة بشكل مسبق قبل التحرك إذا حدث حريق أو أي حادث بالمبنى، حيث يتم التحرك وفق المعلومات التي ستتوافر في المبنى».
جائزة المدينة الذكية
أطلقت دائرة التخطيط العمراني والبلديات جائزة المدينة الذكية في نسختها الأولى على مستوى دولة الإمارات، وذلك على هامش قمة أبوظبي للمدينة الذكية.
وقال المهندس حمد محسن عبدالله رئيس قسم الدراسات والمعايير لقطاع البنية التحتية وأصول البلدية: «إن الجائزة ستكون على مستوى الدولة في المرحلة الأولى، ويمكن أن تتوسع لتصبح إقليمية مستقبلاً»، مؤكداً أنها «تساهم في تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتدعم استراتيجية الذكاء الاصطناعي».
وأضاف أن الإعلان عن نتائج جائزة المدينة الذكية سيتم خلال أنشطة قمة العام المقبل، مشيراً إلى أنه سيتم «إطلاق موقع إلكتروني خاص للجائزة قريباً حتى تتمكن الجهات الحكومية، كما القطاع الخاص من المشاركة».
وأوضح أن الجائزة تضم أربع فئات مخصصة للجهات الحكومية وشبه الحكومية الداعمة للمدن الذكية، إلى جانب فئات جوائز مشاريع المدينة الذكية وغيرها.