السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

"فرناندو بوتيرو".. رسام الجرح الإنساني العميق

"فرناندو بوتيرو".. رسام الجرح الإنساني العميق
14 سبتمبر 2018 00:05

عبير زيتون (دبي)

فرناندو بوتيرو.. الرجل الغاضب غالباً، يوصف بالطفل الكولومبي الذي لم يكبر بعد، جدلي، وعابث، دخل التاريخ من باب الضخامة والبدانة، كما يتجلى في كل لوحاته، منذ بداية احترافه الرسم قبل أكثر من قرن «وبوتيرو» يخوض معاركه مع الفساد الاجتماعي والطبقي، ومع جنرالات كولومبيا، ورجال العصابات، والمتاجرين بالدين، وصولاً إلى لوحات مأساة «سجن أبوغريب». ولكثرة استخدامه الفن سلاحاً ضد الفساد أطلق عليه بعض النقاد الأوروبيين بـ«رسام البؤس والتعاسة». أما هو فيعتبر نفسه» رسام الجرح الإنساني العميق» حتى لو كان أبطال لوحاته ومنحوتاته كلهم بدناء مضحكين برؤوس كبيرة غالباً.
يعتبر»بوتيرو»الرجل الثمانيني القادم إلينا من مدينة «ميديلين» الكولومبية المشهورة بعصابات مافيا الحروب، من أشهر وأهم فناني أميركا اللاتينية الأحياء، وأحد أهم الرسامين والنحاتين العالميين المعاصرين. تنتشر أعماله الفنية ومنحوتاته الضخمة، في معظم العواصم الأوروبية والأميركيتين، رغم الهجوم اللاذع لنقاد الفن المعاصر، الذين لا يستسيغون حيله الجمالية في الضخامة، وتحوير الأشكال نحو الاستدارة والامتلاء، بطريقة تقترب من الحس الفكاهي، وهي تحمل ملامح البساطة، وأحياناً السذاجة، في بهرجة لونية سورياليّة الملامح تتميز بحرفية عالية وصارمة لدرجة أن لوحة «الموناليزا في سنّ الثانية عشرة» تحورت تحت ريشته إلى لعبة مضحكة ببدانتها، وقد اشترها متحف الفنّ الحديث في نيويورك، بالإضافة للوحة «راقصة الباليه» التي اختار لها «فرناندو « امرأة خمسينية مكتنزة الجسم بملامح طفولية، وهذا ينطبق على كل الأشكال التي تناولها «بوتيرو» في أعماله، وتمثل مشاهد بسيطة من الحياة اليومية في كولومبيا بموروثها الشعبي الغني، بعد أن أعاد تطويره بأسلوبه الفني الخاصّ المميز بالضخامة، والذي لم يحسن نقاد الفن المعاصر، تفسيره ووصفه «أنه أسلوب مثيرة للشفقة، والقول: إن «فرناندو» «طفل لم يشفَ من نرجسيته»، أما «فيرناندو فيقول حول هذا النقد اللاذع لفنه: أعتقد أن ما قمت به «ثورة غير عادية» هذا فنّ حديث ومعاصر بمعاييري أنا. والتعبيرات الرديئة للفنّ اليوم هي ما يستحقّ الرثاء والسخرية.
يعتبر الكولومبي «فرناندو بوتيرو» أول فنان تشكيلي معاصر يؤرخ لفظاعة ألم الجسد، وشعور الذل البشري، وانكسار الإنسانية المستباحة، عندما غافل العالم عام 2006 بتحوله عن موضوعاته المألوفة في رسم النساء السمان، والرجال الضخام من الطبقات الاجتماعية كافة بأمريكا اللاتينية، إلى لوحات تجسد مأساة مشاهد التعذيب، وأحداثها البشعة في «سجن أبوغريب» بعد نشرها من قبل الصحفي «سيمون هيرش» في صحيفة «نيويوركر» في مايو 2004. ففي رسوماته التي حملت عنوان «لاتستح من الحقيقة « والمرقمة من (1 حتى 50) وتضم عملين ضخمين، إلى جانب عشرات الرسوم متوسطة الحجم، وجميعها مستوحاة من «مشاهد التعذيب بحق السجناء العراقيين «في سجن أبوغريب « تحضر رسالة «بوتيرو» ومعها صرخة الإدانة «بمشهدية درامية مؤثرة بأشكالها المتوترة، وألوانها الفاقعة، وضخامة شخوصها، وقد يرى البعض فيها للوهلة الأولى، مجرد تعليق فكاهي ساخر على صور مشينة، ولكن في تفاصيلها ودقة تماهيها مع شكل الضحية بمشاعرها المعكوسة بمهارة مؤثرة بمرآة الضوء والحجم والحركة، نلمس صدمة ألم «بوتيرو»، وتساؤلاته العميقة حول عبثية الوجود، عندما يعود الإنسان إلى حيوان كهف وحشي لم يُشف من بربريته وهو يستلذ أمام ضعف إنسانية مستباحة.
وحول الغاية من رسم تلك اللوحات يقول «بوتيرو» في مقابلة مع مجلة داينرز الكولومبية «إن هذا السلوك المشين أصابني بصدمة شديدة، هي وليدة الغضب، الذي فجره هذا الطغيان الرهيب في أعماق وجداني».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©