الخميس 19 سبتمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

علي المازمي: قصيدة النثر رقصة حـرّة

علي المازمي: قصيدة النثر رقصة حـرّة
29 أغسطس 2019 02:15

إبراهيم الملا (الشارقة)

يستدعي الشاعر الإماراتي الشاب علي أحمد المازمي نداءات ومعالم شغفه الذاتي المتجه نحو بوصله الكتابة النوعية التي يراها متاحة وحاضرة في قصيدة النثر، باعتبارها قصيدة تمنحه القابلية التعبيرية المثلى، الجامعة بين السرد المكثف واكتشاف مكامن الدهشة في المفردة الشعرية ذات الإيقاع الداخلي الحميمي، والموصول بأسئلة وجودية، وأشواق صوفية، تظل مداراتها مفتوحة على النبش المتمهّل في خبايا اللغة الشعرية بمساربها الفاتنة.
ويعمل المازمي حالياً على جمع قصائده لإصدارها في مجموعته الشعرية الأولى: «قبل أن أصاب بالعمى» والتي تتداخل فيها كتابته المبكرة مع ما أنتجه مؤخراً من كتابات شعرية بدت أكثر نضجاً، وانتماء لمناخات (قصيدة النثر) الموصولة بقلق الجيل الجديد من شعراء الإمارات، والتي جعلتها ندرة الأسماء المنشغلة بها، قصيدة محمية بغربتها وغرابتها.
يكتب المازمي ما يشبه شعر الوداعات، وكأن ثمة تلويح من مدارك الذاكرة المختزنة لحدث مؤلم وقديم، حدث كان له دور فارق في تشكيل خريطة حزن مقيم في مسارات الطفولة التي عانت من ارتطام وجودي عنيف ومشتمل على الفجيعة والفقدان. ويبدو أن هذا الألم لا يمكن تمريره وإغفاله في قصائد المازمي، لأنه يمثّل أصل وعصب سؤاله الإنساني الحائر، وبالتالي لا تنفكّ مفردات قصائده من الانصياع لشرط هذا الاغتراب الشرس.
ثمة شطحات وصدمات انفعالية في قصيدة المازمي تضعه أحياناً في المنطقة المتأرجحة بين النتاجات الشعرية المعاصرة، وبين النتاجات الموصولة بإرث شعراء الستينيات، وهذه التجاذبات صنعت من المتاهة الشعرية المحيطة بتجربته، ملمحاً أسلوبياً يجمع بين أنماط متضادة في بنيتها وقوامها الشعري،
ويصف لنا المازمي تجربته الشعرية بأنها تجربة تجنح إلى اختبار الأدوات التعبيرية، وتسعى للتخلص من تأثيرات الشعر الكلاسيكي، الذي استهواه في فترة اطلاعه المبكرة على قصائد الشعراء الروّاد، قبل أن ينجذب كلياً لمناخات قصيدة النثر التي وجد فيها مساحة خصبة وحرّة للبوح الذاتي، مضيفاً أن الشعر ترجمة لانفعالاته الداخلية، ويشبه الصرخة المزلزلة في الروح.
وقال المازمي: «الوجد الصوفي ملازم لتجربتي الشعرية، ولكنها تجربة لا تخلو من حسّ التجريب أيضاً، فالشعر هو غواية الغواية، لذلك لم أختر الشعر، بل جرني هو إلى خضمه الجارف، لأجد نفسي غارقاً ولا أروم النجاة، ولا أسعى لها، القصيدة احتراق، وروحي الباحثة عن معنى للوجود اختارت الشعر رسولاً لها».
وحول مجموعته الشعرية الأولى التي يعمل على إصدارها قريباً، أوضح المازمي بأن جمع القصائد المتفاوتة في مستواها الفني يتطلّب مراجعات مكثفة ونقداً ذاتياً صارماً، لاستبعاد القصائد الأولى التي يطغى عليها الحماس الشعري، وتحقيق الشرط الصعب لكتابة قصيدة ذات بعد تخيلي وسبك لغوي ملائم ومخلص للحالة الشعرية. وقال إن الزمن التراكمي، والوعي بجماليات الشعر، والمداومة على القراءة المتنوعة لتجارب عربية وغربية لافتة، هي عوامل كفيلة بإنضاج مداركه الأدبية ولغته الشعرية، وأضاف: «لكن على الرغم من ذلك لدي شعور بأني أريد أن أكتب قبل أن أصاب بالعمى».
وعن لعبة التأثير والتأثر التي دفعته لاقتحام عالم الشعر، أوضح المازمي بأنه تأثر بشعراء قصيدة النثر الإماراتيين، وعربياً هناك الكثير من الشعراء الذين أدهشته تجاربهم، وقال: «أنا أبحث عن التجديد في القصيدة، اخترت قصيدة النثر لما تملكه من قدرة على الرقص الحر، وإمكانية التجدد المستمر، فلا أعتقد بأني يوماً سألتزم بنمط أو حالة، كل حي متغير، والشعر مواكب لكل شيء إلا السكون».
مضيفاً: «عالمياً، أعتقد أن أناشيد مالدورور للشاعر الفرنسي لوتريامون كانت طلقة مدويّة في الوعي، طلقة حياة، لهذا الشاعر مساهمة مهمة في الإضاءة على حالتي الشعرية والفكرية، وأنا متأكد أنني لو سئلتُ بعد سنوات سأجيب باسم آخر».
واختتم المازمي: «للفلسفة الأثر الأكبر على تجربتي الشعرية، وهي التي دفعتني للانكشاف على الأسئلة الكبرى ومواجهتها، لربما كان تأثير الفيلسوف الروماني إميل سيوران على تجربتي الشعرية وحالتي الوجودية ذات وقع صارخ ومحوري، على سبيل المثال فإن عنوان ديوانه «المياه كلها بلون الغرق»، كان عنواناً مدوخاً ولافتاً بالنسبة لي، فالمياه بالنسبة لي تعني الحياة، وعندما يتخيل الشاعر بأن الحياة كلها عبارة عن محاولة للخلاص من غرق محتوم، فإن الحس المأساوي يصل لحدود لا يمكن تصورها، تشاؤمية سيوران فتحت لي آفاقاً فكرية وتساؤلات حول أصل الوجود ومعنى الحياة، وهذا العطش البشري للخلود، متى يرتوي الإنسان من الحياة؟ عندما يخادع نفسه ويماطل للنجاة من غرقه المحتوم»!!

قبل أن أصاب بالعمى
يعمل المازمي حالياً على جمع قصائده لإصدارها في مجموعته الشعرية الأولى: «قبل أن أصاب بالعمى» والتي تتداخل فيها كتابته المبكرة مع ما أنتجه مؤخراً من كتابات شعرية بدت أكثر نضجاً، وانتماء لمناخات (قصيدة النثر) الموصولة بقلق الجيل الجديد من شعراء الإمارات، والتي جعلتها ندرة الأسماء المنشغلة بها، قصيدة محمية بغربتها وغرابتها. هذه الغربة التي دفعت المجموعة القليلة من الشعراء الجدد الذين ينتمي لهم المازمي، إلى الالتفاف على القيمة الإنسانية التي تتقاطع فيها الأرواح المتناغمة شعرياً، والمتضامنة مع التصورات المهمومة بالحفاظ على هذه الرفقة الأدبية ذات التوق الجامح نحو خيارات ثقافية بديلة تنقذهم من واقع يتصف غالباً بالجفاف والاستلاب والحسّ الاستهلاكي الطاغي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©