ريم البريكي (أبوظبي)
ربما تتفاجأ عند ذهابك إلى متجر بوجود إماراتي يعمل في خدمة العملاء أو محاسب على الصندوق أو في التسويق.. فهذه المهن أجرها ليس كبيراً وساعات عملها طويلة ومرهقة، والثقافة السائدة في المجتمع أنها لا تناسب الإماراتيين، بيد أن مواطنين قرروا مخالفة هذه القاعدة بشعار أن «العمل ليس عيباً» ما دام يقتل وقت الفراغ ويعود بالمنفعة المادية، واكتساب خبرات لتوظيفها في الحياة العملية في المستقبل.
ورغم أن العمل في القطاع الخاص لا يوفر الامتيازات التي يمنحها القطاع الحكومي، إلا أن القطاع الخاص يوفر فرصاً للمواطنين خاصة حديثي التخرج أو أولئك الذين ما زالوا على مقاعد الدراسة وقرروا العمل لينخرطوا مبكراً في معترك الحياة، وإن لم تكن الحاجة المادية الدافع وراء ذلك.
يقول منصور أحمد المسكري الذي يدرس في كلية التقنية، ويعمل موظف «خدمة العملاء والكاشير» في أحد المحال التجارية بأبوظبي، إنه مستمتع بالعمل الذي التحق به قبل ستة أشهر بتشجيع من والدته التي كانت في جولة تسوق بالمحل وشاهدت بعض الفتيات المواطنات يعملن بالمحل، فحثته على العمل هناك والتقديم، مبيناً أنها دعمته بعدم التردد والقبول، و«رأت في هذا العمل فرصة لصقل مهاراتي وإكسابي خبرة مهنية».
وأفاد المسكري بأنه ما زال طالباً في كلية التقنية ويدرس حالياً في كلية الحاسب الآلي، وأن تجربة العمل التي تختلف اختلافاً كلياً عن تخصصه العلمي قدمت له دروساً ما كان ليتعلمها في تخصصه، في كيفية التعامل مع مختلف الشخصيات والطباع، والقدرة على التحمل، وإنجاز العمل مهما كانت الظروف، وعدم التقليل من أي عمل كان.
بدورها، قالت فاطمة المرزوقي (خدمة العملاء) إنها قامت بمراسلة الجهة التي تعمل بها إلكترونياً بعد علمها بتوافر وظائف للمواطنين، مشيرة إلى أنها كانت تجهل ما تعنيه كلمة خدمة العملاء، لكنها ومن خلال التدريب الذي تلقته بالمحل، أصبح لديها إلمام تام وكافٍ حول ما تعنيه هذه المهنة، والتي أوصلتها إلى حد الإلمام المعرفي والتعليمي، كما لو كانت قد درسته في إحدى الجامعات المتخصصة في مجال المال والأعمال، خاصة أنها تقوم كذلك بالتطبيق العملي لما تتعلمه من خلال تعاملها اليومي مع العملاء.
وبينت المرزوقي أن ما يميزهن كإماراتيات يعملن في مجال خدمة العملاء هو درايتهن بالذوق المحلي للسيدات الإماراتيات بمختلف أعمارهن، كما يمتلكن القدرة على الوصول إلى المستهلكة المواطنة أكثر من غيرهن لراحة المتعاملة أكثر مع مواطنة، من حيث سهولة الحديث والتعامل باللهجة المحلية ومعرفة التفاصيل الأكثر دقة عما يريده العميل أو العميلة.
وأوضحت أنها قدمت عبر «توطين» للحصول على وظيفة بأي جهة عمل، لكنها انتظرت طويلاً، فما كان منها إلا البحث بنفسها عن وظيفة تلبي احتياجاتها وتكسبها خبرة، وتستفيد من الوقت حتى تجد ما تريده من وظيفة.
بدورها، أكدت فاطمة الحوسني (موظفة كاشير)، أن صديقتها فاطمة المرزوقي هي من أخبرتها عن شواغر التوظيف، وأنها فكرت أن تستغل وقتها الإضافي في العمل إلى جانب دراستها، حيث إنها لا تزال في مقاعد الدراسة وتدرس حالياً تخصص الهندسة الصناعية، موضحة أن العمل كان شاقاً في بدايته، ولكنها اعتادت على أجواء العمل ووجدته جميلاً ومشوقاً، خاصة أنها في كل يوم تتعلم الكثير من أسرار العمل.
وبينت الحوسني أن اختيارها العمل إلى جانب الدراسة هو قرار اتخذته إيماناً منها بأهمية هذه الفترة لاكتساب خبرة والاستفادة من وقتها بدلاً من الجلوس بالمنزل، كما أنها ستحصل في نهاية فترة عملها على شهادة خبرة، مثمنة الجهود التي بذلتها إدارة المحل في إكسابها هذه الخبرات وتدريبها ومنحها الثقة في النفس، وتبديل مفاهيم خاطئة لديها حول العمل وماهيته.
وأوضحت شادية حسن، إحدى الكوادر الإماراتية الشابة الملتحقة بالعمل في متجر بوظيفة (خدمة عملاء)، أن عملها جاء مصادفة مع دخولها لمركز تجاري، وكانت تجهل وجود فرص عمل للمواطنين، إلا حين سألت إدارة المركز عن إمكانية التقديم للعمل لتجد أن هناك طلباً من أحد المحال للمواطنين لاكتساب خبرات وخوض مجال مهني مختلف تماماً عن بقية المهن والوظائف بسوق العمل الموجهة للمواطنين.
وقالت إن عملها خلق لها بيئة خصبة للإلمام بالتسويق بداية من أبجديات التحدث مع العملاء، وطريقة التسويق وتعريف العميل بالعروض الموجودة بالمحل، مشيرة إلى أنها تلقت تدريباً على يد مديرها المباشر، مبينة أنه مكنها وعلمها طبيعة العمل بالمحل وحثها على إثبات وجودها بالعمل الجاد والتميز في أدائه.
وبينت شادية أن عملها لا يقدم امتيازات مماثلة كما هي الحال في مؤسسات الدولة والدوائر المحلية، لكن عملها الحالي أكسبها خبرات وقدرات ومهارات ما كانت لتصل إليها لو كانت موظفة عادية، كما أنها خلال فترة عملها التي بدأتها عام 2016، تمكنت من تطوير ذاتها، وشخصيتها وأصبحت أكثر دراية بالعمل التجاري.
وأشارت إلى أنها وخلال فترة عملها الممتدة لأكثر من أربع سنوات، استطاعت التدرج، لكنها لم تصل لطموحها في الترقية والوصول إلى منصب أعلى، وفيما يتعلق بالراتب أوضحت أنها بدأت براتب 7000 درهم وبعدها 8000 درهم ولخبرتها تمت زيادة راتبها إلى 8500 درهم، تذهب منها 500 درهم لصندوق المعاشات.
من جهتها، قالت حمدة سليم الجنيبي، إنها استدلت على جهة عملها الحالية من خلال اليوم المفتوح الذي نظمه المحل في دلما مول، حيث يمتلك المحل فرعاً بنفس المركز، وكان هناك إعلان في المحل بطلب توظيف كوادر إماراتية في سابقة هي الأولى من نوعها، مشيرة إلى أنها واجهت رفضاً قاطعاً من والدها، لكونه يتطلع لها إلى مستقبل مهني أفضل بعد انتهائها من دراستها، وكان يحلم بأن تعمل في نفس مجال تخصصها العلمي، فيما كانت والدتها تشجعها وتحثها على العمل في أي قطاع، وإنْ كان العمل كبائعة في المحل، كانت نظرة والدتي للمستقبل، وحثتني على الاستفادة واكتساب الخبرة من عملي، كما كانت تردد والدتي على مسامعي عبارة «العمل مب عيب»، كما أن العمل أفضل من الجلوس بالمنزل.
وكشفت الجنيبي، أنها اكتسبت خبرة كبيرة في مجال عملها الجديد، وكانت مع زملاء لها من أوائل المواطنين الذين كسروا نظرة التعصب لوظائف محددة والعزوف عن العمل بالقطاع الخاص. من جهته، أوضح عمر سلامة، المدير الإقليمي في أبوظبي لمجموعة شرف، الشركة المالكة لعدد من العلامات التجارية، منها فور ايفر 21، أن المجموعة أطلقت المبادرة في جميع شركاتها بالدولة، وقامت بوضع برنامج تدريبي مكثف لتأهيل الكوادر المحلية، كما جندت الطاقات لتقديم الدعم الكامل لهؤلاء الشباب، وبعد ذلك تم إدماجهم في العمل.
وأضاف أن قدرات الشخص وسرعة تنميته لمهاراته، وإدراكه لآلية العمل، عوامل تسهم في إثبات وجوده، مشيراً إلى أن العاملين بالمحل من الكوادر المواطنة يتمتعون بالذكاء والطموح لتولي مناصب، وأن لديهم قابلية كبيرة للتعلم، والاستفادة القصوى من تجربتهم بالمحل في أقسامه كافة، والتدرج الوظيفي حتى بلوغ منصب أعلى.