محمود إسماعيل بدر (أبوظبي)
جناح «جمهورية أوزبكستان»، في مهرجان الشيخ زايد التراثي 2018، يجذب مئات الزّوار من مختلف الجنسيات، حيث خصص القائمون على هذا الجناح المبهج والفريد في أركانه الحرفية المتكاملة عددا من الجلسات التراثية للجمهور، لمتابعة عروض فرق الفلكلور الوطني على مسرح صغير مكشوف يتوسط المكان، فكل ما يعرضه هذا الجناح في نحو 9 أركان صغيرة يعبّر عن طبيعة الحياة البدائية والمشغولات اليدوية والمتعلّقة بالطبيعة، والموثّقة لتاريخ وحضارة الشعب الأوزبكي وثقافته ومكنونه التراثي، بالإضافة إلى ما تقدّمه «فرقة كافويس الأوزبكية للفلكلور» من عروض رقص تقليدية أخاذة، مستخدمة في ذات الوقت آلات موسيقية طربية، تدخل أنغامها البهجة والسرور إلى قلوب زوار الجناح الذي يُعد من أفضل الأجنحة المشاركة من وسط آسيا، نظرا لما يعرف عن هذا البلد الملقب بـ«جوهرة آسيا» وعاصمته «طشقند»، والتي تضم عددا من الأقاليم التي لها شهرة عريقة في تاريخ الإسلام. نحن إذن في جناح فريد الطابع لبلاد تتميز بالسحر والجمال، لوجود الكثير من المدن التاريخية بها، ومن أهم مدنها «بخارى وسمرقند وخوارزم»، ومن المدن الحديثة «طشقند»، وقدمت هذه المدن جيلا من المحدثين والمفكرين والمخترعين على رأسهم محمد ابن اسماعيل البخاري، وابن سينا والبيروني والفرغاني والفارابي، وغيرهم من العظماء الذين انطلقوا لنشر العلم والفكر في كل ربوع الأرض.
خبز تقليدي
في محل عبد المجيد الأوزبكي، هناك أكثر من 15 نوعا من الخبز الأوزبكي، الذي يتم إعداده وتحضيره بالطريق التقليدية دون تدخل من الآلات الحديثة، وأخبرنا عبد المجيد أن ما يعرضه في محلّه هو نتاج صناعة نجحت بفضل أن أوزبكستان هي بلد زراعي من الدرجة الأولى، وغالبا ما نستخدم القمح الصافي في صناعة أنواع من الخبر مثل «التميس»، ويتسم سطح الرغيف الكبير الحجم بنقشات ولمسات جمالية توضع بأياد ماهرة، وأيضا هناك «نان خبز»، المخلوط بالزبدة الطبيعية، و«خبز سمرقند» الشهير الذي تنظم له مسابقة سنوية باسم مسابقة «أنواع خبز سمرقند»، ويشارك بها عادة نخبة من الخبازين لغايات الحفاظ على تقليد صناعة الخبز الأوزبكي، وأجمل ما في هذا النوع من المسابقات بحسب عبد المجيد، أنّه بعد ختامها يقوم المشرفون عليها بتوزيع كميات الخبز الهائلة على دور الأيتام والمحتاجين والمدارس الداخلية المتخصصة.
ياقوتة الدنيا
يعتّز الأوزبكيون بمدينتهم «سمرقند» التي غزت قلوب فاتحيها، فهذه المدينة العريقة التي تعرضت لويلات الحروب خلال تاريخها، دمرها الغزاة كالإسكندر المقدوني وجنكيز خان مرات عدة، لكنها كطير العنقاء تنبعث من قلب الرماد في كل مرة، وهي ثاني أكبر مدينة في أوزبكستان، عمرها يعود إلى 700 قبل الميلاد، وكانت عاصمة لعدة إمبراطوريات، ويعتقد أن «سمرقند» تعني (مدينة الحجر)، وفتحها المسلمون في عام 92 هجرية على يد القائد قتيبة بن مسلم، وكان لها دور تجاري وثقافي مهم.
يقول الفنان الأوزبكي «سنة الله بولانوف» الذي استحضر عوالم من سمرقند في عدد من اللوحات التي يعرضها في ركن صغير: نظرا لعراقة وقيمة هذه المدينة التي أطلق عليها الرحالة العرب اسم «ياقوتة الدنيا، فقد أوليتها اهتماما خاصا برسم عديد المواقع التاريخية والأثرية بها، لتقديمها لجمهور مهرجان الشيخ زايد التراثي، حيث شهدت هذه اللوحات المرسومة بألوان الزيت اهتماما بالغا من الجمهور، وبخاصة اللوحات التي تعكس روح المدينة مثل: ساحة ريجستان، وتعتبر من أجمل ما تركته الدولة التيمورية وحكامها الذين تعاقبوا على المدينة، كذلك مدرسة تيلا كاري، وتم استخدام اللون الذهبي بكثرة في نقوشها، ثم لوحة قصر دكشيا، مسجد فاشكان، قصر باغ، مسجد بيبي خانوم، مسجد سمرقند، الذي يعتبر القوام الإنشائي الواضح من المعالم الاسلامية الظاهرة للمشاهد بلونه الجذاب في مدينة سمرقند الأوزبكستانية في آسيا الوسطى، وتم إنشاؤه في القرن الرابع، وهو يشغل أهمية كبيرة ومؤثرة في مجمل الفعاليات الأساسية، التي وسمت المشهد المعماري لمدينة سمرقند، وغير ذلك من المعالم التي عكستها في اللوحات التي رُسم بعضها على الحرير، والآخر على جلد الغزال، وغيرها الكثير من المعالم التي تؤكد جمال وروعة هذه المدينة، مختتما بقوله: سعدت كثيرا بجمهور المهرجان وانجذابه إلى أعمالي من الرسومات واللوحات، والاهتمام بمعرفة تفاصيل مضامينها، كذلك التعرف إلى سمرقند نظرا لما لها من مكانة في نفوس العرب والمسلمين، وكونها ظهرت في عديد الأعمال السينمائية والدرامية.
تحف من الخشب
يزدان الجناح الأوزبكي بفاعليات فنية وحرفية يدوية متنوعة، تستعرض جوانب مهمة من الموروث الشعبي، ومن ذلك حرفة الحفر على الخشب، فهنا في هذا الركن الذي يديره شير علي، ثمة قطع لطاولات خشبية بأحجام مختلفة مزخرفة بنقوش بديعة، ولوحات تمثل آيات قرآنية بطريقة الحفر ذي الأبعاد الثلاثة، وأيضا صناديق خشبية تقليدية مما يستخدم في جهاز العروس، وصناديق صغيرة الأحجام لاستخدامات حفظ الحلي والمجوهرات التقليدية، وجميعها مزخرفة بنقوش ورسومات ومطعمة بالصدف.
ويقول الفنان شير علي: أمارس حرفة فن النقش على الخشب منذ أكثر من 20 عاما، وهي حرفة شعبية لها أسرارها من حيث المهارة والدقة والموهبة ومعرفة بالفنون التطبيقية، وأضاف: يطالع جمهور المهرجان نماذج من أعمالي المنجزة يدويا، مثل علبة الشطرنج، والألواح والصحون المزخرفة والكراسي وعلب الزينة، وغيرها من المشغولات التي تستلهم التراث الأصيل، وهو فن متوارث عبر الأجيال، ويرى شير علي، أن فن الحفر على الخشب هواية قبل أن يكون مهنة، حيث يتزاوج فيه الخشب مع أنامل الصانع الماهر التي تستجيب في عملها لإحساسه النابع من روح تذوب في تلك الصنعة فنا وإبداعا، لتنطق الخشب الصامت، حتى يغدو تحفة فنية رائعة تتراءى فيها دقة الصنع وروعة الانسجام وبديع التناسق.
رقص تقليدي
يشكّل ما تقدمه فرقة «كافويس للفلكلور»، متعة بصرية لا تضاهى لزوار جناح أوزبكستان في مهرجان الشيخ زايد التراثي، والذي يؤكد ذلك العرض الفلكلوري البديع الذي تقدمه هذه الفرقة النسائية المكونة من 3 شابات (اسم الفرقة بالعربية يعني الشباب)، يقدمن رقصة بعنوان «خورزم»، وهي ذات شعبية كبيرة في أوزبكستان، وهي تتسم بالطلاقة والغنائية، والحركات الأقرب إلى الرقص المسرحي، أما رقصة «فرغانه» التي تقدمها الفرقة وتلقى استحسانا من الجمهور، فتمتاز بأداء الفتيات لحركات مستديرة وناعمة مع حركات الأيدي القادرة على رواية أسطورة أو حكاية شعبية، ونقل مجموعة من المشاعر البشرية بطريقة خلاّبة، أو وصف لجمال الطبيعة، مع مرافقة جملة من الألحان الموسيقية التي يؤديها فريق عازفين مباشرة، ومن هذه الآلات: كارينا، ديورا، نوغورا، مضافا إلى كل ذلك ما ترتديه الفتيات من أزياء تقليدية في غاية الروعة والجمال ويطلق عليها اسم «بروس أدراس»، وهذا الزي بحسب ما ذكرت إيمي البخاري، يرتبط بقوة بالتراث والعادات والتقاليد، وزي فتيات هذه الفرقة عبارة عن ثوب طويل موشي بزخارف وتطريزات باهرة، ونقوش محفورة بطريقة يدوية على الثوب.
فطيرة «نون»
أكثر ما يلفت الانتباه في هذا الجناح، هو الحضور القوي للمطبخ الأوزبكي، حيث أعد المشرفون عليه ثلاث جلسات لضيوف وزوار الجناح، داخل خيام مجهزة بكل ما هو تقليدي، تعكس عادات وتقاليد ثقافة الطعام في أوزبكستان، حيث يتناول الأوزبكيون طعامهم بواسطة اليد وهم جالسون على الأرض حول طاولة صغيرة تسمى «الداستارخان»، فيما تعود وبحسب الشيف الأوزبكي «عباس ميرجزاموف» جذور معظم الأكلات الأوزبكية وخصائصها المميزة إلى قرون قديمة، ويتم طهيها ضمن طقوس خاصة، ما زالت متبعة حتى اليوم، وبالمقابل تأثر المطبخ الأوزبكي أيضاً بغيره من المطابخ، واستلهم منها العديد من الوصفات مثل الكباب المشوي، الحساء، البيلميني، المانتي، اللقمان وغيرها. وأخبرنا عباس ميرجزاموف أن أهم ما يقدمه للجمهور هو «فطيرة نون» المحشوة بالعسل والمكسوة بطبقة من السمسم، ويتم تحضيرها أمام الجمهور، هذا إلى جانب أطباق شعبية أوزبكية منها البيلاف أو البلوف، ويتكون من الأرز وقطع من اللحم، مع الجزر المفروم والبصل والزبيب، مع الثوم المحمص على الوجه، وغالبا ما يقدم البيلاف في المناسبات كالأعراس، حيث يطبخ بكميات كبيرة، وأيضا نقدم «الكورداك»، وهو طبق شعبي شهير بآسيا الوسطى، وبخاصة في قيرغيزستان، ويوصف بأنه اللحم البنّي أو اللحم المشوي بتوابل أوزبكية شهيرة، كما نقدم للزوار نوعا خاصا من الشاي الأخضر المعطّر، وهو المشروب التقليدي بالنسبة لنا، ويقدم عادة بدون سكر أو حليب، ويتم تناوله في أماكن مخصصة تسمى «بيوت الشاي». كما تم عرض المزيد من المنتوجات من الفواكه والخضراوات المجففة والحلويات والمواد البيولوجية المضافة والفواكه المجففة معادة التصنيع والعسل الأوزبكي المستخرج من بستان «سيد بركه» الواقع في منطقة قاراولبازار، بمحافظة بخارى التي تشتهر بإنتاج أفضل عسل على مستوى آسيا الوسطى.
«أرض الأوزبك»
أوزبكستان أو «أرض الأوزبك»، لطالما اعتُبرت محطات بارزة للقوافل التجارية، ففي القرن الخامس عشر، سلكت هذه القوافل شبكة طرق كانت تُدعى بـ«طريق الحرير» والذي ربط الصين بالشرق الأوسط. وفيما هيمن الحرير قديما على السوق الأوزبكية، تسيطر عليها اليوم صناعة القطن، وتُباع هناك أيضا سجادات جميلة مصنوعة من القطن والصوف والحرير، وقد تأثَّرت الحضارة الأوزبكية بشعوب كثيرة على مّر التاريخ.، فكثيرون وطؤوا جبالها وصحاريها من غزاة مشهورين وجيوش جبارة، مثل الإسكندر الكبير الذي التقى حبيبته روكسانا هناك وجنكيز خان من منغوليا.، ولا ننسى أيضا تيمورلنك، وهو من سكان المنطقة الأصليين وحاكم إحدى أكبر الامبراطوريات في التاريخ.
سياحة أثرية
السياحة الأثرية في أوزبكستان، فرصة مثالية لمن يبحث في التاريخ وقيمه العالية التي تخبئ وراءها أزماناً متغايرة وأحداثاً متباينة، جل ما يقول عنها المرء: إنها كانت شاخصة بالحياة وتعج بالنشاط، ويمكن إيجاز أهم المعالم الأثرية في أوزبكستان في بعض هذه المعالم، مثل مرقد الإمام البخاري المعروف صاحب «الصحيح» والمدفون في وادي بخارى الذي يقع قرب بخارى على مشارف سمرقند، وهو معروف بطابعه الإسلامي البسيط الذي تعلوه قبة محززة.