شادي صلاح الدين (لندن)
اتفق عدد من الخبراء والمحللين السياسيين في بريطانيا على أنه مع دخول المقاطعة العربية لدوحة الإرهاب والتطرف عامها الثالث، فإن المشهد في المنطقة العربية والخليجية قد تغير كثيراً نحو الأفضل، وخاصة فيما يتعلق بانخفاض عدد وحدّة العمليات الإرهابية في المنطقة، بجانب تقليل النفوذ الإيراني القطري في منطقة الخليج بشكل خاص، ووقف إمدادات قطر لوكلائها من الجماعات الإرهابية والتخريبية في الشرق الأوسط وأفريقيا على حد سواء.
وقال المحلل السياسي البريطاني ليز جلمر لـ«الاتحاد» إنه منذ إعلان دول المقاطعة العربية مقاطعتها للنظام القطري، بدأت الأضواء تكشف الدور المشبوه الذي تقوم به الحكومة في الدوحة، وخاصة الأموال التي تصل إلى المجموعات الإرهابية في كل من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، مشدداً على أن تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أعقاب إعلان المقاطعة ضد قطر وضع نظام الحمدين في «موقف صعب».
ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب قطر بأنها «داعم تاريخي للإرهاب»، ودعا دول الخليج ودول الجوار لاتخاذ المزيد من الإجراءات لمكافحة الإرهاب في تصريحات بعد إعلان المقاطعة، وهو ما دفع أمير قطر للهرولة إلى واشنطن لنفي التهم المثبتة ضده. وأوضح المحلل السياسي البريطاني أن إعلان دول المقاطعة قوائم بأفراد ومؤسسات وجمعيات تدعمها قطر على علاقة بالمسلحين والمخربين في المنطقة، شلت تحركات النظام القطري، ووضعته في موقف المدافع عن نفسه باستمرار، وفتحت أعين وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية بشكل خاص على الدور التخريبي الذي تقوم به قطر، معتمدة على الثقة التي كانت تتمتع بها من جيرانها في دول الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية، حيث كانوا يتعاملون معها على أنها «الشقيقة الصغرى».
وتابع جلمر «علاقة قطر بالإخوان والجماعات المتطرفة تعود إلى سنوات عديدة، وخاصة في فترة نهاية التسعينيات، حيث نجد قيادات جماعات الإخوان هناك، ونجد أيضاً سجناء سابقين في معتقل جوانتانامو، وقيادات من تنظيم داعش الإرهابي يزورون قطر، وغيرهم». وأضاف «كل هذا الأمر أصبح مقيداً بعد المقاطعة العربية... العديد من القيادات الإرهابية بدأوا في التحرك نحو تركيا ومنهم من انتقل إلى ليبيا... أصبح الدعم مالياً فقط وعبر وكلاء بعد أن استفزت المقاطعة مشاعر الإعلاميين الغربيين الذين شعروا بأن نظام الحمدين يتعامل مع المجتمع الدولي بوجهين مختلفين: وجه يزعم أنه يحارب الإرهاب والتطرف، والوجه الآخر يقف مدافعاً عن جماعة الإخوان ويمول حملات نشر التطرف والكراهية في الولايات المتحدة وأوروبا». وطالب الخبير الاستراتيجي بنهج أكثر صرامة من جانب المجتمع الدولي تجاه القطريين خلال الفترة المقبلة.
ومن جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي المقيم في لندن الدكتور أسامة مهدي إن المقاطعة لم تكن سوى «رد فعل» من جانب الدول الأربع لحماية سيادتها ووقف التدخل في شؤونها الداخلية ومنع نظام الحمدين من دفع المنطقة إلى «الفوضى»، مشدداً على أن هذا النظام الإرهابي تسبب في فوضى في مصر والسودان وليبيا واليمن، وكان يخطط لعمليات في دول أخرى في المنطقة. وأكد مهدي في تصريحات خاصة لـ«الاتحاد» أن أذرع النظام القطري وصلت إلى أفريقيا وأوروبا، موضحاً أن الشبكة الإيرانية التركية القطرية أصبحت عنصر فساد في المنطقة كلها، وكان على دول المقاطعة أن تتدخل لوقفهم.
وقال المحلل والكاتب السياسي إنه منذ بدء المقاطعة في عام 2017، شاهدنا انخفاضاً كبيراً في عدد العمليات الإرهابية في مصر، نظراً لوقف التمويل والدعم اللوجستي القادم من الدوحة، بجانب التراجع الكبير للميليشيات الإرهابية في ليبيا، والنجاح الذي تحققه السعودية والإمارات في اليمن، لافتاً إلى أنه رغم كشف المستور عن الدور القطري القذر، إلا أن التقارير الاستخباراتية لا تزال تفضح العلاقات الودية بين الدوحة وإيران ودعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، مؤكداً أن المسؤولين في الولايات المتحدة عبّروا عن قلقهم في أكثر من مناسبة حول صلات قطر بعدد من الميليشيات التي ترعاها إيران، والتي تصنف واشنطن العديد منها كمنظمات إرهابية.
وقال الدكتور أسامة مهدي إن قطر كانت تتحرك بمنتهى الحرية قبل يونيو 2017، مستغلة ثقة جيرانها بها، إلا أنه وبعد تيقن الجميع من أطماع نظام الحمدين، أصبحت المقاطعة السلاح النافذ الذي يعاني منه تميم وأعوانه. وتكشف وقائع الأحداث في المنطقة، وخاصة في ليبيا، استمرار قطر مع حليفتها تركيا، في تمويل الميليشيات الإرهابية في ليبيا، حيث يسيطر الإرهابيون على العاصمة طرابلس، في وقت يخوض الجيش الوطني الليبي معارك عنيفة من أجل إحباط المخطط القطري التركي، إلا أن المشروع القطري في ليبيا بات في موقع المحاصر، بفضل قرار المقاطعة.
كما أوضح الكاتب البريطاني أن شبكة الجزيرة، التي طالما روج نظام الحمدين لها على أنها قناة «حيادية وتتمتع باستقلالية» تواجه أزمات كبيرة بعد المقاطعة، ضارباً المثال بعشرات القضايا التي تواجه القناة التحريضية في الولايات المتحدة، والمطالبات المستمرة بتسجيلها بواقع قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، ووصفها بأنها «قناة للتجسس» على المواطنين الأميركيين. كما قامت هيئة الاتصالات الفيدرالية الأميركية في الآونة الأخيرة بإجبار القناة على تقديم تقرير يكشف عن علاقتها بالجهات الأجنبية.
واختتم مهدي بالتأكيد أن المقاطعة نجحت في الكثير من الأمور وأهمها: كشف حقيقة نظام الحمدين أمام المجتمع الدولي، وكشف الدور التآمري والتجسسي الذي تقوم به قناة الجزيرة في الدول التي تعمل بها، ودعمها للأفكار الراديكالية المتطرفة، وقف التمويل المادي والدعم اللوجستي للجماعات التخريبية سواء في الشرق الأوسط أو في أفريقيا، وكشف العلاقة الوثيقة بين قطر والنظام التخريبي في طهران، والدور الذي تقوم به تركيا في دعم المجموعات المتطرفة وجماعة الإخوان الإرهابية، بجانب تحقيق نجاحات كبيرة نحو إعادة الأمور إلى وضعها الصحيح في اليمن والقضاء على الإرهاب في ليبيا.
لقد أنفق النظام القطري منذ يونيو 2017 عشرات المليارات على جماعات الضغط والمراكز البحثية والصحفيين لمحاولة تحسين صورته ودفع اتهامات الدول الأربع، إلا أن المقاطعة العربية نجحت في فرض مقاطعة إعلامية وسياسية على الدوحة قيدت بشكل كبير تحركاتها في المنطقة.