17 ابريل 2010 21:12
تربع مايك مولن، قائد هيئة الأركان الأميركية المشتركة، على بساط أحمر تحت خيمة نُصبت على عجل في منطقة مارجة الأفغانية الزراعية المغبرة التي تم "تطهيرها" من عناصر "طالبان" بالآلاف على أيدي مشاة البحرية الأميركية والجنود الأفغان خلال الأسابيع السبعة السابقة؛ وكان محوطاً بحوالي خمسين رجلا ملتحيّاً يعتمرون العمائم السوداء والرمادية يريدون أن يعرفوا ما إن كان الجنود الأميركيون سيبقون في المنطقة، وما إن كانوا سيقومون بإتلاف حقول الخشخاش الموجودة في المنطقة. يذكر هنا أن مارجة تقع في إقليم هلمند، الذي يعتبر عاصمة خشخاش الأفيون في العالم، وأن "طالبان" تستعمل المحصول لتمويل عملياتها.
وكان مولن قد قدِم من كابول لرؤية الكيفية التي تسير بها الأمور في مارجة وللاطلاع على مخططات المرحلة المقبلة من العملية الأميركية في معقل "طالبان": حملة طرد المقاتلين من عاصمتهم الروحية مدينة قندهار. ولكن اجتماع مولن مع مجلس الشورى هذا (مجلس الشيوخ) أثار أكبر مشكلة تواجه الجهود الأميركية: هل يمكن إقناع الأفغان الذين يلجؤون إلى "طالبان" من كثرة إحباطهم من الفساد الحكومي بأنهم يستطيعون الحصول على صفقة أفضل؟
وكان الجيش الأميركي قد اختار تطهير مارجة قبل قندهار لأنها منطقة أسهل وتتيح فرصة لتغيير الانطباع بأن "طالبان" تفوز. كما تتيح فرصة لتقليص إنتاج الخشخاش. وعلاوة على ذلك، فإن هلمند، وخلافاً للعديد من الأقاليم الأفغانية الأخرى، تتوفر على حاكم كفؤ هو غلاب مانجل. غير أن مارجة طُهرت اليوم، وينبغي إقناع سكانها بأن حياتهم ستتحسن، وإلا فإن "طالبان" قد يعودون. ولهذا الغرض، جلس مولن ومانجل على السجاد للاستماع إلى شكاوى وتظلمات السكان المحليين. ولم يكن هذا سوى واحد من العديد من "مجالس الشورى" التي يحث المسؤولون الأميركيون الزعماءَ المحليين على عقدها في إقليمي هلمند وقندهار من أجل إعطاء الأفغان الشعور بأن آراءهم مهمة. وفي هذا الإطار، عبَّر مسؤول أميركي رفيع عن أمله في أن "يناقش" أعضاء التحالف "طريقهم إلى النجاح".
مانجل، الذي كان يعتمر عمامة مخططة سوداء ورمادية وسترة سوداء، حث السكان على اغتنام "الفرصة"؛ ذلك أن المجتمع الدولي يقدم المال من أجل بناء المدارس وتحسين الزراعة، وإذا غادروا، فإن الأشرار سينسفون طرقنا وجسورنا". وبالفعل، فعناصر "طالبان" ما زالوا يهددون مارجة خاصة في الليل. وأضاف مانجل قائلا: "لنعمل على عقد مجلس شورى كبير يشارك فيه الجميع حيث سنستشيره حول كل القرارات. وحينها، يمكنني أن أقول لصديقي العزيز الأميرال مولن: يمكن لجنودكم أن يذهبوا. غير أنهم إذا ذهبوا الآن، فإننا سنخسر".
ومن جانبه، قال مولن للجماعة: "عليكم الزعامة وعلينا الدعم". وفي تلك الأثناء، وقف شاب يرتدي سترة تقليدية رمادية وسروالا فضفاضاً وعمامة معقودة وقال: "إننا في حاجة إلى مساعدتكم من أجل تحسين الأمن"، بينما قال آخر: "لا تجلبوا لنا الشرطة المحلية" التي دفع فسادُها الكثيرين إلى الارتماء في أحضان "طالبان". ولذلك، فإن التحالف مضطر لجلب شرطة وطنية خاصة مدربة على أيدي الغربيين بينما يواصل المهمةَ الصعبة المتمثلة في إعادة تدريب القوة المحلية.
وبعد ذلك، تهاطل على المجموعة سيل من الطلبات لبناء مستشفى (يذكر هنا أن مارجة لا تتوفر على أي مستشفى) ومدارس وتعبيد الطرق وتنظيف قنوات السقي. وفي هذا الإطار، قال أحد المزارعين: "أعلم أن زراعة الخشخاش أمر سيئ، ولكنني أقوم بذلك لأنني لا أملك أي وسيلة أخرى للعيش". ووعد مانجل بأن يمنحهم البذور والأسمدة من أجل زراعة محاصيل بديلة إذا قاموا بإتلاف الخشخاش، وبأن يدفع لهم المال للقيام بذلك وقال محذراً: "في العام المقبل، يجب ألا يقوم أحد بزراعة الخشخاش. وإلا فإنه سيذهب إلى السجن" .
بيد أنه كان من الواضح أن هؤلاء الأفغان لم يقتنعوا تماماً -وأنهم حذرون من الوعود التي لا تنجز ومتعطشون للنتائج السريعة؛ ولكن حذر مولن قائلا: "إنني لا أحمل أية وصفة سحرية". فهو يعلم أنه على رغم ضخ الأموال من الخارج وتوفير تمويل جديد لبرامج الوظائف، فإن افتقار الحكومة الأفغانية إلى القدرة والكفاءة سيُبطئ عملية التغيير. ولذلك، فإن الطريق إلى النجاح في مارجة (وفي قندهار) يكمن في ما إن كان كرزاي سيُطور الشعور نفسه الذي يُظهره مولن ومانجل حول ضرورة الاستعجال في توفير الوظائف والخدمات للأقاليم. ولئن كانت قلة قليلة من الناس الذين تحدثتُ إليهم يعتقدون أن زيارة أوباما الأخيرة ستغير سلوك الزعيم الأفغاني، فإن المسؤولين الأميركيين يأملون أن يكون لتكثيف مجالس الشورى تأثير إيجابي أيضاً. وفي انتظار ذلك، ينتظر أعيان مارجة بحذر ليروا ما إن كانت حياتهم ستتحسن.
ترودي روبن
محللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»