إبراهيم الملا (الشارقة)
يعود الفنان الإماراتي المخضرم إبراهيم سالم للحقل المسرحي الذي طالما شكّل بالنسبة له تحدياً ذاتياً للتحكم بالبنية المشهدية في مفاصل العرض وفي توزيع الأدوار على الخشبة، وهو حقل الإخراج الذي يظل فيه الفنان مراقباً ومحركاً لخيوط اللعبة المسرحية من بعيد، ولكنه يستأنس في ذات الوقت بكونه محوراً أصيلاً تتشظّى حوله الرؤية الجمالية في إطارها الكامل المشتمل على النص والأداء وتنسيق الكتل الزمنية للعرض، بشكل يخدم رسالته ومحتواه.
يشارك إبراهيم سالم في الدورة القادمة من أيام الشارقة المسرحية بعرض: «الساعة الرابعة» بعد مشاركته كمخرج قبل أربع سنوات في مسرحية: «ماكبث»، وحول هذا العمل الجديد وما يتضمنه من ملامسات لقضايا وأسئلة راهنة وملحّة، تحدث الفنان إبراهيم سالم لـ«الاتحاد» موضحاً أن مسرحية «الساعة الرابعة» مستوحاة من أحد الأفلام الإسبانية المتقاطعة مع إشكالات وهموم إنسانية واجتماعية تعاني منها فئات كبيرة وعريضة في واقعنا العربي، وهي إشكالات -كما أشار- تتعلق بفكرة «تقبّل الآخر» ووجهات النظر المختلفة تجاه هذه الفكرة، حيث تتبنى أغلب وجهات النظر الجانب السلبي، مستندة في ذلك على وعي جمعي مغلوط قائم على عناصر الشك والحذر، وهي عناصر يمكن إحالتها إلى عقد نفسية وأزمات ذاتية تكتسب صفة الشمولية في بعض المجتمعات المغلقة، مما يساهم في تخلّفها وتراجعها على المستوى الحضاري، لأن شرط الازدهار والتقدم والتطور يتطلب الانفتاح على الآخر والسماح بالتنوع والتباين والتعدد في الأفكار والرؤى والتوجهات الفلسفية والدينية والثقافية عموماً.
وأضاف سالم أن عرض «الساعة الرابعة» يواكب الرسائل الإنسانية التي يتضمنها عام «التسامح» في دولة الإمارات، والتي توجه هنا رسائل عميقة في محتواها وقيمتها إلى شعوب العالم كافة، من أجل نبذ الأفكار الإقصائية، وتجاوز العقائد الخاطئة والسوداوية الداعية للكراهية والعنف والعنصرية، وصولاً إلى عالم متصالح مع ذاته، تتعايش فيه الأديان والطوائف من أجل عمارة الأرض، وتحسين ظروف الحياة لكافة البشر.
وعن الصعوبات التي واجهته لتنفيذ فكرة العرض وترجمة معطيات النص خصوصاً بعد غيابه الطويل عن مجال الإخراج المسرحي، قال سالم إن الصعوبة الأكبر تمثلت في تجميع الممثلين المرشحين للمشاركة في العرض نظراً لارتباط غالبيتهم بأعمال تلفزيونية، ولكنه تجاوز هذه العقبة -كما أشار- من خلال الاستعداد المبكر لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، وخلق مختبر مسرحي حيوي لتداول الأفكار والمقترحات والتصورات الخاصة بالبنية الأنسب للعرض، وجدولة البروفات في توقيتات مناسبة لمعظم المشاركين، وكذلك العمل بشكل متأن مع معدّ النص الفنان والكاتب طلال المحمود من خلال ورشة نقاشية امتدت لعام كامل.
وأضاف سالم أن الركيزة الأساس في العمل تنطلق من النتائج الكارثية والمدمرة لمرض «الوسواس القهري»، على المستوى الفردي، أما على المستوى الجمعي فيمكن إحالة هذا المرض وتعميمه إذا تعلق الأمر بفكرة «الانطواء» كمرض اجتماعي يصيب شرائح كبيرة بالشلل والبلادة والكمون المعرفي والتحجر، ومن هنا، كما أوضح سالم، فإن تعاطيه مع مستويات العرض وطبيعة الشخصيات المتأزمة خلق مساحة لكوميديا الموقف والتي تظل في النهاية هي الكوميديا السوداء التي تهيمن على بيئات ومجتمعات شرقية وعربية كثيرة، خصوصاً إذا أتى هذا التوصيف من وجهة نظر البيئات الأكثر تطوراً ونماءً وتصالحاً مع مكوناتها الاجتماعية المتنوعة.