11 فبراير 2011 22:51
(دبي) - تشهد الرواية الغربية القصيرة “النوفيلا” في الوقت الراهن انتعاشاً ملحوظاً. وتطرح مؤلفات عدد من كتابها الجدد أسئلة حول التطور الذي طرأ عليها منذ تسعينيات القرن المنصرم، وإمكانية أن تعود إلى عصرها الذهبي. وكما هو معروف، فإن الربع الأول من القرن العشرين كان قد شهد ولادة أعمال روائية مهمة أرّخت لحقبة جديدة تغير خلالها وجه الثقافة الإنسانية. فمن منا لا يتذكر على سبيل المثال روايات “المتحول” 1915 لفرانز كافكا، و”العجوز والبحر” لهمنجواي 1952، و”مرحباً أيها الحزن” 1954 لفرانسوا ساغان، و”البرتقالة الآلية” 1962 لأنتوني بورخس.
وإذا كانت هذه المؤلفات وغيرها الكثير قد عبرت بالتفصيل عن جملة المتغيرات التي مرت بها المجتمعات الغربية في مرحلة ما وأثرت فيها، على نحو ما قرأناه في إبداع كتاب القرن الماضي. وإذا كان أيضاً من المفترض أن الرواية القصيرة كغيرها من الأنواع الأدبية تسير في خط بياني مستقيم، فيمكننا تصور خروج رواية التسعينيات وما بعدها على هذا الخط، لتسيّر نفسها في سياقها الزمني الحقيقي، وليُعترف بأن “الخصوصية التي يتمتع بها هذا الجنس الأدبي قد أصبحت من المسلمات”، حسب قول المحررة الثقافية المتخصصة في الأدب الألماني “ربيكا ك موريسون” في تعليقها على رواية الكاتبة الألمانية “جيني ايربنبيك، التي ترجمتها سوزان بيرنوفسكي إلى الإنجليزية بعنوان “تأمل” (Visitation).
كما يمكننا بعد ذلك، تفسير علاقة الرواية القصيرة بإقبال دور النشر الكبرى عليها مثل “ملفيل هاوس” في بروكلين وغيرها في لندن، واحتفاء هذه المؤسسات بها إلى حد تخصيص جوائز أدبية، تدشن للمرة الأولى كجائزة باريس الأدبية للرواية القصيرة، بأنه اعتراف صريح بأن الرواية القصيرة، أو رواية القرن الحادي والعشرين، قد بدأت إرهاصاتها.
والواقع أن ما يلفت الانتباه إلى الرواية القصيرة، أنها ومنذ بداياتها كانت قد اعتمدت في خطابها إلى العلاقة التي تربطها بجملة المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ليس فقط تلك التي شهدتها المجتمعات التي ينتمي إليها كتابها، بل المتغيرات التي شهدها العالم. وهي العوامل التي ما زالت تؤثر فيها بشكل جاد من حيث المضمون والتقنية السردية والبناء الفني. كما تجبرها على إعادة التعريف بنفسها. وهنا يبدو القارئ هو الآخر متورطاً في لعبة البحث عن استراتيجيات جديدة يمكنه من خلالها التعامل مع ما يندرج تحت مسمى إبداع جديد.
يقدم الكثير من هذا الإبداع الجديد على أنه تأمل وأسئلة في أحداث مهمة. أو على نحو أدق مؤثرة في حياة كتابها. وحسبما يرى الناقد وأستاذ اللغة الألمانية أندرياس ميتشل فإن “الأسئلة التي تطرحها مثل هذه النصوص تضاعف الشعور بأن ثمة تغييراً قد طرأ في بنية الخطاب الاجتماعي الألماني” على سبيل المثال. وإذا كان ذلك متاحاً لكل أشكال الكتابة الأدبية، فما هي الخصوصية التي تتفرد بها الرواية القصيرة في قراءتها للواقع، على نحو يميزها عن الرواية والقصة القصيرة مثلاً؟
هناك من يرى علاقة بين بنية هذه النصوص السردية وبين تأسيسها على عنصر كالذاكرة. وحسب الكاتب والأكاديمي الألماني “دبليو. جورج. سيبولد” فإن “غالبية أبناء الشعب الألماني يدركون اليوم، أوعلى أقل تقدير يأملون، بأننا قد ذكرنا بالدمار الذي لحق بالمدن التي كنا نعيش فيها ذات يوم”. إن التأمل في التاريخ ومحاولة استعادة ذاكرة المكان، بعد ما حل به من دمار الحروب والعنف والاستبداد، وجدت لها تأثيراً في البنية السردية على نحو واضح. وهو ما يراه القارئ مثلاً في مؤلفات الكتاب الألمان الجدد. إن كل ما لدى هؤلاء هو الحضور الجاد في المشهد المحلي والعالمي. حضوراً نوعياً منذ بداية التسعينيات وانهيار حائط برلين والوحدة.
والواقع أن أصواتاً قوية يتصدر أصحابها المشهد الروائي الغربي المعاصر مصدرها ألمانيا، منها على سبيل المثال “أنا وينجر” مؤلفة رواية “لا بد أنه المكان ذاته” تجسد في روايتها رحلة مليئة بالحيوية والحميمية والسخرية في قلب برلين المعاصرة. والرحلة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها دراما اجتماعية مدتها تسعون عاماً، يعبر عنها بواقعية سحرية، إذ إن من عوامل الارتقاء بالرواية القصيرة، ما يصفه النقاد بمجازية اللغة، وهنا تصبح اللغة أداة لتحويل الواقعي إلى خيالي. بينما تبقي الأحداث، الزمان، المكان والشخوص على تماسكها رغم كل شيء، فيما يتاح للقارئ أن يشعر بأنه أمام عمل روائي محكم. فهو على الرغم من كونه مؤلفاً من أجزاء تشبه القصص القصيرة، إلا أنه مكتوب بحرفية تشعرك في النهاية بتكامله. وتعليقاً، فإنها فقط عودة الروح إلى الرواية القصيرة.