18 ديسمبر 2011 22:52
هاجرت العشرات من البنوك في “منطقة اليورو “خلال السنوات القليلة الماضية صوب شرق أوروبا، أملاً في الاستفادة من اقتصاداتها التي تشهد نمواً سريعاً ومن الأسواق المصرفية غير المُستقلة نسبياً. لكن ووسط الأزمة المصرفية التي اجتاحت القطاع المصرفي في القارة، تغير الوضع للاتجاه العكسي بصورة مفاجئة.
بدأت البنوك تتسابق في الهجرة العكسية عائدة إلى أوطانها في محاولة للحفاظ على مواردها المحدودة ولمواجهة الضغوط التي تطالبها بالتركيز على أسواقها المحلية. وتنطوي على هذا الانسحاب مخاطر وقوع اقتصادات شرق أوروبا التي تصمد بقوة حتى الآن في وجه أزمة منطقة اليورو، ضحية للانكماش.
ويقول نيل شيرينج، كبير الاقتصاديين المتخصصين في الأسواق الناشئة في مؤسسة “كابيتال ماركتس” الاستشارية في لندن، “يعني ذلك على أقل تقدير أن يظل نمو الائتمان ضعيفاً للغاية، لكن اعتقد أن هناك مخاطر كبيرة غير مدركة تكمن في حدوث انهيار جديد للائتمان”. ومن بين الأمثلة الأخيرة، تم في بولندا وتركيا اللتين كانتا تعجان في وقت من الأوقات بالدائنين الغربيين، بيع أو محاولة بيع ما لا يقل عن 7 بنوك لفروعها المحلية للحصول على الأموال المطلوبة، لكن لم يكن ذلك سهلاً في ظل شح المشترين. وذكر اثنان من بنوك أوروبا الكبيرة “كوميرتس بنك” الألماني و”يوني كريديت” الإيطالي، أنهما بصدد التخطيط لإيقاف أو خفض معدل الإقراض في بعض بلدان شرق أوروبا التي كانت في مقدمة أولوياتها في الماضي. ويواجه كل من البنكين ضغوطاً من قبل المنظمين لتوفير مليارات اليورو في شكل رؤوس أموال جديدة بحلول يونيو المقبل.
وقام العديد من العملاء في لاتفيا بسحب ملايين الدولارات من بنوك مثل “سويد بنك” و “سيب بنك” للحد الذي فرغت فيه نحو ثلث ماكينات السحب الآلي في لاتفيا في نهاية عطلة الأسبوع من السيولة تماماً. وكان تدفق البنوك الأجنبية في دول شرق القارة يمثل حتى وقت قريب نعمة لاقتصاداتها المحلية، حيث كان الحصول على الائتمان ميسراً للغاية، كما ساهمت البنوك في النمو الاجتماعي برعايتها للبرامج والنشاطات في بعض المدن.
وتعج بعض المناطق بفروع البنوك الكبيرة مثل مدينة براسوف الرومانية التي لا يتعدى عدد سكانها نحو 300,000 نسمة، بما لا يقل عن 12 فرعا لبنوك أجنبية معظمها من منطقة اليورو. وتعود ملكية نحو 20% من مجموع الأصول البنكية في بلدان مثل بلغاريا وكرواتيا ومقدونيا وبولندا ورومانيا وصربيا، لبنوك تقع مقراتها الرئيسية في اليونان وأيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا التي تعتبر أكثر البلدان الأوروبية معاناة في الوقت الحاضر.
واستعانت بنوك “منطقة اليورو” عندما بدأت تتعرض للخسارة في بادئ الأمر، بعمليات فروعها المنتشرة في شرق القارة. لكن تغير ذلك الموقف، حيث قررت بنوك من دول مثل بلجيكا وألمانيا وأيرلندا واليونان والبرتغال وإيطاليا التخلي عن نشاطاتها في بولندا وتركيا وغيرها من الدول الأخرى، على أمل حصول هذه الفروع على الفوائد من البنوك الأكثر استقراراً، لكنها لم تلق ترحيباً مناسباً حتى الآن.
وتُعد بولندا أكثر وجهة تقصدها بنوك “منطقة اليورو” المحلية. و”البنك التجاري” البرتغالي واحد من بين هذه البنوك التي استقرت هناك من خلال فرعه “بنك ميلينيوم”. وأكد المدير التنفيذي للبنك أن الفرع البولندي لا يقل أهمية في نشاطه عن عمليات البنك الرئيسية في البرتغال. وأصبح الآن “البنك التجاري” البرتغالي الذي يطالبه المنظمون الأوروبيون بجمع نحو 2,1 مليار يورو (2,81 مليار دولار) كرأس مال جديد، واحداً من ضمن بنوك قليلة تبحث عن بيع فرعها في بولندا. ويبدو أن مزاد البنك بالإضافة إلى بنوك أخرى في بولندا، لم يجد الإقبال المناسب، حيث المشترون المتوقعون مشغولون بهمومهم المالية الخاصة والقلق الذي ينتابهم جراء الوضع المالي الراهن.
وقامت بنوك النمسا الكبيرة بما فيها “أيرستي جروب بنك” و”رايفسين إنترناشونال بنك”، بفتح شبكة من الفروع في كرواتيا وجمهورية الشيك والمجر. واقترح المنظمون النمساويون مؤخراً إصدار قوانين جديدة تصعب من عملية اقتراض هذه البنوك في تلك البلدان، حيث سيترتب عليها تمويل قروض في شرق أوروبا بأموال محلية بدلاً من جلبها من النمسا. وتهدف هذه الخطوة إلى تقوية النشاط التجاري للبنوك النمساوية ولتفادي احتمال دعمها من فروعها التي تعمل في الخارج. وفي كرواتيا تعود ملكية 48% من الأصول المصرفية لبنوك إيطالية و36% لأخرى نمساوية. وقلصت البنوك الكبيرة من نشاطاتها خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاريع القطاع العام الكبيرة التي عادة ما تتطلع إليها البنوك الأجنبية.
ويقول ماركوس فيرستيل، المدير التنفيذي في “بنك هايبو ألبي أدريا” الفرع الكرواتي لبنك “هايبو جروب” النمساوي، “من المتوقع توقف عمليات الإقراض عبر الحدود، حيث ينبغي على رواد الأعمال الاعتماد على الإقراض المحلي بشكل كبير والذي بدوره سيعتمد على التمويل المحلي بشكل مماثل”.
نقلاً عن: «وول ستريت جورنال»
ترجمة: حسونة الطيب