عندما حطت الغربان فوق الجزيرة، انتشرت لتحتل قمم جبلها وأشجارها، وطارت لتحط على الجزيرة الصغيرة المجاورة، تُرك كل شيء لها لتبيض وتفرخ وترسل أفراخها إلى أبعد مدى بدءاً من السواحل ووصولاً إلى المناطق البعيدة. لا أحد ينتبه للغربان واختلاطها بسائر الطيور، حيث يتبعها الخراب. يقال إن للغربان ساحرا وملكا يُلقنها صوت السحرة ونشيدهم الخاص. هي جارحة وماكرة ولكنها لا تشبه النسور أو الصقور. لا توجد محطة خلت من فطنة ناسها إلا باضت فيها الغربان وبنت أعشاشها في أكثر من خربة، لتكون هي سيدة المكان. فلا يمكن أن يشارك هذه الطيور الماكرة الحمام مثلاً أو سائر العصافير، وبما أنها ورثت من الغربان حذرها فإنها تستطيع أن تخدع المزارع والفلاح الغافل في رزقه اليومي. إن غرباننا لا تشبه غربان الآخرين، إنها صغيرة مثل غراب الهند وليست كبيرة ومزعجة مثل غربان المدن الأخرى كثيرة النعيق وكبيرة المناغير، تعودت على نهش الجيف! غربان الساحل صغيرة ورشيقة ومحبة لمشاركة الطيور الأخرى، يغيب عن البعض أن ملك السحرة والغربان واحد، بل إن كل الغربان خرجت من عمامة ذلك الساحر القابع في مخبئه العتيق.. والغربان في المدن الجديدة أكثر حذراً وأشد مكراً ودهاء! العائدون من الجزيرة يؤكدون أن الغراب هناك قد بنى له مستعمرة كبيرة، وزحفت أعشاشه ليحول أرض الجزيرة إلى أرض لا تستطيع أي طيور أخرى أن تتواجد فيها، بل إن حتى ما تبقى من طيور النورس الصغيرة قد حملت أجنحتها ورحلت إلى السواحل والمناطق البعيدة..هذا الصمت الرهيب على الخراب هو ما تنشده الغربان، حتى تتوسع دائرة وقبضة ملوك الخراب ويصبح لهم في كل موقع وكر ومحطة. إن غفلة الناس وانشغالهم هي المعين الكبير على ما يُحاك ويُدبر للأرض والأوطان. ألف غراب وعمامة تنعق بالليل والنهار معلنة عن زمن الخراب القادم، أما سائر الناس الذين لا عمامة لهم فلهم بئس المصير. هكذا سمعت غراب يقول ويؤكد قوله بكتب صفراء.. الغربان ليس لديها صوت جميل ولا حلم جميل.. تبشرك بالخراب القادم، هذا ما قاله العرب الأوائل، الشيء الوحيد الذي يزعج الغربان هو أن تبنى مدن حديثة وأن تنهض الأبراج الزاهية، وأن تحول المساحات الخالية إلى حدائق، وأن تظل كل أيامك شامخاً.