المثقف والطغاة
أسماء كثيرة كبيرة، أسماء حفرت وجودها في عالم الأدب العربي والمشهد الثقافي العربي على مدى عقود، فأُصاب بالصدمة حين أجد أنهم في فترة من فترات حياتهم، ودون أي ضغوط، كانوا قد كتبوا قصيدة عصماء في طاغية ما، أو أجهدوا أبصارهم وعقولهم في كتابة دراسة تحليلية تتناول أعماله بالمدح والإطراء.
أين ضمير هؤلاء؟ وكيف ما زالوا يوجدون في المحافل الأدبية، مُنادين بالفضائل التي يبشّر بها الأدب، بالروح المسالمة، والحقوق التي يجب أن تصان وكرامة الإنسان التي يجب ألاّ تُهان، كيف يوجدون هكذا بكل جرأة وهدوء ودون أن يعترض أحد، وكأنهم لم يصفقوا يوماً بأيديهم «المبدعة» هذه لطاغية تلطخت يداه بدماء شعبه؟
أفهم أن يخضع الإنسان تحت ضغط التهديد والخوف على حياته وحياة أحبائه، فيجاري ويهدهد ويهادن، فالشجاعة فضيلة ليس مطلوباً من الجميع أن يتحلوا بها. لكن ما الذي قد يجبر إنساناً بعيداً عن قبضة يد الطاغية، إنساناً آمناً في بلده أو مهجره، لأن يقبّل الأيادي الملطخة، سوى الطمع فيما يمكن أن تجود عليه تلك اليد من قوت الشعب المسروق. إنسان عادي ذو كرامة لا يقبل ذلك فما بالك بمبدعٍ معلم كاد أن يكون رسولا؟!
هم يعرفون أنفسهم، لكن هل يظنون أن التاريخ سينساهم؟ وأن تلك السقطات ستُغفر لهم؟ وهل يجب أن تُغفر؟ كي أصدقك عليك أن تكون صادقاً أولاً، كيف نقرأ لمن قد باع ذمته بثمنٍ بخس مهما علا. يسيرون الآن مع الموجة، البارحة هم مع السيد فلان واليوم هم أصحاب السيد علاّن الذي جاء مكان «الفلان السابق»، ومع الموجة يقولون إنهم كتاّب وكأن الكتابة منصب وزاري!
الكتابة إخلاص لقصة الإنسان، فكيف تصطف مع الأشرار في هذه القصة؟!
تكريس هذه الأسماء في المشهد الثقافي العربي باستمرار ظهورهم في المحافل الأدبية والثقافية، هو تكريس لرذيلة النفاق، وهو أمر يجعل الأجيال الجديدة تصاب بالحيرة، حين تكتشف أن كاتباً أحبته واحترمته كان في صف طاغية. نحن حين نقرأ الكتب صغاراً نتأثر بما نقرأ ونحب من نقرأ له، نراه صاحب رسالة سامية نبيلة نقتدي بها، وحين نكتشف الخديعة نسحب الثقة من القدوة والمُثل العليا والأدب والثقافة والفضيلة، هل نريد لذلك أن يحصل؟ ماذا لو لجأنا لتطهير المشهد الثقافي بالتوقف عن توجيه الدعوات لهؤلاء.. لعلهم حين يتم إقصاؤهم يتطهرون، فيعودون لأقلامهم كتّاباً أحراراً من رذائل التسلق والمنافع والنفاق.