يظن بعض الأشخاص أنه عبقري زمانه، فلا يوجد من يفهم مثله، ولا أحد يصل إلى مستواه من التفكير والخبرة والعلم، إلى أن تصل به الحال أن يشعر بنفسه أنه ختم العلم، فلا يوجد من هو أعلم منه في المحيط الذي يوجد فيه. طبعاً حياته كلها على بعضها «مقلب» وهو عايش فيه، يتحدث دائماً ولا يحب من يعدّل عليه، ويقول له كلامك غير صحيح. عدو للمعرفة، يخجل دائماً أن يقول لا أعرف أو لا أعلم. ولكنه دائماً على علم ومعرفة واسعين، والشغل كله «تخبيص، ومشي حالك»، والمهم أن الأمور تسير ولا أحد يعلم. والمصيبة إذا كان هؤلاء من فئة المديرين والمسؤولين فلا يقدر أحد عليهم، وليس هناك من يتجرأ ليقول لهم كلاماً في غير محله، ومن بين تلك الشخصيات الذين لا يقبلون أن يتنازلوا عن آرائهم، شخص يحاول أن يقنعني دائماً بأن المشروبات الغازية بشكل عام من صنف الخضراوات والفواكه، ويصّر على أن تكون في دكانه الذي افتتح أصلاً من أجل أن يكون منفذاً لبيع الخضراوات المحلية فقط. وحالة أخرى أو بالأحرى مدير آخر يحاول دائماً من مقولاته التي يرددها أن يقنعني أن العنصر الأجنبي في العمل أفضل من العناصر المواطنة والكوادر الوطنية من خلال الخبرات والاطلاع والمعرفة، بل وأحسن دائماً من جانب «صدعة الرأس»، ويرى أن الأول قد يكون من يقضي فترة عقده كلها ولا أحد يعلم به، ولكن الثاني دائماً يوجد في الإدارة ويعارض قرارات «فهيم العمل» حتى وإن كانت المعارضة لا تصب في المصلحة العامة. وبعض الحالات الذين تقف أمامهم من يحاول أن يجعلك تصدق الكذبة وتصدق أن المشكلة التي تقدمت للبحث لها عن حل، ليست من اختصاصه بل من اختصاص الدائرة المجاورة أو القطاع المعين، فلا يهمه هو حتى وإن كان في المجال نفسه. المهم أن يبعد عن نفسه المسؤوليات والعواقب التي تقع من جراء قرار غير مدروس أو لا يخدم المجتمع. وآخر يدور بين المسؤولين في القطاع الذي يعمل به فيظل يردد أنه الأحق والأكفأ من بين بقية الزملاء وأنه الوحيد القادر على أداء عمله بالطريقة الصحيحة، وأنه الوحيد الذي تدرج في السلم الوظيفي دون أن يقفز عن أحدها، حتى ولو كان سلمهُ بدأ من الطابق الأول، تجده يردد إنجازاته وبطولاته العملية التي قدمها للمكان الذي يعمل فيه، ولو سمعه شخص عاقل لظن أنه قدم خدمات تطوعية وليست مدفوعة وبمقابل المزايا التي ملأت جيوبه. وهناك نموذج يحقر أعمال الآخرين فلا يعجبه العجب، ومهما عملت من أجله وساعدته فأنت لم تفعل شيئاً ولم تقدم لأنك أصلاً لا تفهم وشغلك غير صحيح، ولو شق هدب في إبرة «بيطول صوته وبيطلب الزملاء الإعلاميين وبيعقد المؤتمرات الصحفية وبيخطب بالناس»، المهم الكل يعرف أنه وراء الموضوع أو هو العبقري الذي اكتشف السر.