ربيع آخر..
“أراب آيدل، سوبر ستار، لحظة الحقيقة، الأخ الأكبر، ستار أكاديمي، من سيربح المليون، مسابقات الحروف وغيرها”، جميعها برامج منسوخة عن برامج تلفزيونية إنجليزية وأميركية، وقبلها أُغرقت شاشاتنا “العربية” بالمسلسلات المكسيكية، ثم بالتركية، ثم خرجت الأفلام الهندية المدبلجة باللهجات المحلية. وفي السياق ذاته، هناك مؤسسات ثقافية منشغلة بترجمة الكتب الأجنبية من قصة ورواية ودراسة إلى اللغة العربية، وفي سياق آخر، هناك شراكات في معارض الكتب والمؤتمرات والندوات مع مؤسسات أجنبية، كل هذه الجهود جميلة تبحث عن الأصوات المتميزة ورفد الساحات الثقافية والفكرية بنتاجات تعكس تفكير الآخر وحضارته وتقدمه ومنجزه الثقافي، وتسعى بشكل أو بآخر إلى تلاقح ثقافي إبداعي، لكن السؤال الذي نطرحه بأسى هو: لماذا النسخ والتقليد؟ والسؤال الثاني: لماذا لا توجد حركة ترجمة موازية لآدابنا وثقافتنا وحضارتنا ومنجزنا الثقافي؟
أفهم تماما المنطق التجاري في نسخ تلك البرامج الشهيرة عالميا، لكن هل يعجز العقل العربي عن الابتكار والتجديد وتقديم ما يناسب العقلية العربية ولا يصطدم مع إيقاع حياتها ولا يقفز عنها، فبعض البرامج لا تتناسب أبداً ونسيج مجتمعاتنا، ربما تناسبها بعد خمسين سنة إذا استمرت في “انفتاحها”، وهذا القفز في الهواء يربك التطور المنطقي للمجتمع، ويخلق إشكاليات تعوق تقدمه، فبعضها يشبه تماما حالة فتاة عربية تعيش في بيت محافظ جداً تأتي بصديقها إلى المنزل وتقدمه إلى أهلها ثم تدخل إلى غرفتها الخاصة.
الأمر الثاني في اللاعدالة في التلاقح الثقافي يكمن في موضوع الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية، بعض المؤسسات التي تتعامل مع الكتاب تقول إن الكتاب المترجم رائج أكثر من الكتاب الأصيل، تترجم رواية أجنبية أو ديوان شعر بلغة أجنبية وتقيم له الاحتفالات والترويج، ولكنها تتردد في طباعة رواية أو ديوان أو دراسة علمية أصيلة، والسؤال هنا: لماذا لا يحدث العكس، لم لا تتخصص مؤسسات ثقافية ودور نشر وطباعة في ترجمة المنجز الثقافي والإبداعي العربي إلى اللغات الأجنبية؟ ألم ينجز المفكر أو المبدع العربي ما يستحق تقديمه للقارئ الأجنبي.
إن كل ما ورد يشي بأن القائمين على الثقافة العربية، والمتعاملين بالكتاب العربي يعانون من عقدة الآخر، ويشعرون بالدونية، ليس فقط في استيراد ثقافته ونسج منجزه البرامجي التلفزيوني، ولكن أيضا في مقابلته شخصيا، إذ يتحول الفرد العربي بشرائحه كافة، أدناها وأعلاها، إلى إنسان رقيق يؤمن بحرية المعتقد والسلوك والرأي الآخر، فيتصرف بإنسانية وبأسلوب حضاري، ويُدخل في حديثه مفردات مثل (آسف، وأرجو، وأعتقد، وأظن، وأوافقك الرأي)، لكنه ينقلب بحدة حين ينتهي اللقاء ويقابل شبيهه العربي فتعود اللغة إلى أولها، وتعود مفردات مثل “كلا، أنت لا تفهم ما أعني، وأنا ضد فكرتك على الإطلاق”، كما نرى في برنامج “الاتجاه المعاكس”.
أعتقد أننا في حاجة إلى ربيع فكري وثقافي وإبداعي وإنساني وحضاري قبل الربيع السياسي المرتبك.
akhattib@yahoo.com