الحب
مفردة يرتبك أمامها كثيرون كلٌ بنبض مختلف، منهم من يصفق بجناحي قلبه، ومنهم من يسيل لها دمعه، ومنهم من ينشرح صدره، ومنهم من يرق ويشف كنسمة صيف، ومنهم من يرتبك، ومنهم من ينهمك، ومنهم من يتعثر.
مفردة واسعة ورحبة كالروح، بريئة كنوايا جنين، وضيقة كعين ماكر، تأخذنا إلى فضاءاتها بدهشة صبية يدخل قلبها العشق أول مرة، وتأخذنا إلى متاهاتها كدروب الغرباء، لكنها مهما ارتدت من أثواب، تبقى كلمة دعا إليها الأنبياء والرسل، كما دعا إليها الفلاسفة وعلماء الاجتماع والنفس، فيها شفاء للنفوس المريضة، وهدأة لا يرسمها ليل مزين بالفرح، فهي المنجاة من جحيم الذات، وبوابة للعبور إلى راحة الضمير، وهي رصيد لا ينقص مهما أسرف صاحبه ومارس بذخه.
البعض لا يعرف هذه الكلمة، يعيش في سواده، ينظر إلى الآخرين بعين واحدة، يراقب ويعلق ويشك بكل ما تقع عليه عيناه أو تلامسه يداه، وكلما أسرف في جهله كلما ازداد توحّشاً وانهماكاً بالآخرين، فلا يعرف مقولة “دع الخلق للخالق” ولا يهتدي لجميل الكلام، يصرف ليله ونهاره في التخطيط لإيقاع الضرر بالناس، وقد يكونون أقرب الناس إليه، أصدقاؤه، زملاؤه، جيرانه، ويعتقد أن نجاحه يكمن في أكبر كم من الضرر الذي يوقعه بالآخرين، وهذا النوع لا يعرف أن طاقته السلبية التي يصدرها جسمه ونفسه تفضحه سريعا، ولهذا، لا يدرك سر ابتسامة الطرف الآخر التي غالبا ما تقول: “فهمناك”، والبعض يعرف نصف هذه الكلمة فيتلون ويتبدل وفق مصلحته وأهوائه وطموحه، يوظف نصف الحب لنصف الكراهية، ونصف الحقد لنصف التسلق، وهذا الشخص غير مستقر في مشاعره يحب بسرعة ويكره بسرعة، وينفعل بسرعة أيضا، ورغم ذلك، فلديه طاقة على الحب، ولعل هذا النوع أخطر من الأول، فالأول واضح، والثاني زئبقي مزدوج النوايا.
أما من يعرف هذه الكلمة ويقدرها حق قدرها، فهو في نظر الناس إما أبيض القلب، وإما ساذج، وإما مغفل، وإما (على نياته)، ولهذا يحاول كثيرون خداعه والنصب عليه، ولا يدركون أن المحب يمتلك ذكاءً من نوع خاص، ولديه طاقة إيجابية تمكنه من فرز الورد عن الشوك، والتقاط النوايا السوداء بسهولة ويسر، ورغم ذلك، تنطلي عليه مواقف كثيرة، وينجح البعض في ابتزازه، ولهذا، فإن رصيده من الخيبات عال، ومن الاندهاش أعلى، يكابد حزنه بصمت، ويتحمّل “ذئبية” البعض فيكظم غيظه.
واقعنا مليء للأسف بالنوعين الأول والثاني، ويؤثران على النموذج الثالث، فيخدشان بياضه، ويجرحان روحه، ويلوثان ثقته بالآخرين، حتى يصل في قمة محنته إلى أن يسحب نفسه من المجتمع، فيجد ملاذاً في العزلة، وطمأنينة في الخلود إلى نفسه، وسلاماً في الصمت، ورغم ذلك لا يعتبر نفسه ضحية، هذا الإنسان معرّض للانقراض، ترى، أي عالم سيكون بدونه؟
akhattib@yahoo.com