كسرت المدرسة فكرة اختباء البنت في المنزل بعد بلوغها العاشرة من العمر، ففي تلك السن المبكرة جدا كان ينظر للبنت على أنها مشروع مبكر لأنثى يجب أن تعد للزواج، ولذلك فلابد من أن تختبئ في البيت لحين يطرق الباب الخاطب المناسب، كان تعليم البنات يتوقف عند معلم القرآن أو المطوع في مدرسة تحفيظ القرآن، ولقد درست أغلب بنات جيلي في هذه المدارس وما زلنا نتذكر معلمينا أولئك حتى اليوم لأنهم أول من فتحوا لنا بوابات الحرف وأناروا لنا نوافذ العلم عبر سور الذكر الحكيم.
كسرت المدرسة الرسمية للبنات تابو محرما كان سائدا حتى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي تقريبا، وبدأت بعثات التعليم من دولة الكويت توالي بناء المدارس عندنا في دبي كما في باقي الإمارات، وبدأ طقس جديد تماما يبزغ في أحياء المدينة القديمة بخروج البنات للمدرسة، بأزياء غير معهودة تماما، وبما أن أهل الساحل منفتحون كما هو معروف عنهم في كل مكان فقد ألف الناس الحكاية منذ السطر الأول، فصار خروج الفتيات للمدارس أمرا تتباهى به الأسر كما يتباهى الصغار في الخروج المبكر للمدارس مشيا على الأقدام، لم يكن في المنازل سيارات خاصة تنقل الصغار للمدارس كما أن فكرة الباصات لم تأت سريعا في البداية فكانت رحلة الذهاب للمدرسة مشيا على الأقدام تحمل في تفاصيلها الكثير من دهشة المشاوير البكر لعالم المدرسة المدهش كما يحكي لنا أولئك الذين شكلوا الرعيل الأول لطلاب المدارس !
مازلت أتذكر مدرسة الخنساء الابتدائية التي كانت أول مدرسة ابتدائية للبنات في منطقة ديرة، كانت تقع في بداية تأسيسها في منطقة نايف قرب مركز شرطة نايف حاليا، كنا نظنها أكبر بناء في تلك الأيام وكان يتراءى لنا بأننا مهما مشينا في ساحة المدرسة فإن الوقت سينتهي بينما لن نصل إلى نهاية المدرسة لاتساعها، كان باب المدرسة الحديدي كبيرا جدا يتسع لأكثر من 300 طالبة أو أكثر يخرجن منه دفعة واحدة وقت الظهيرة، لكننا فوجئنا بأن المدرسة صغيرة جدا وبأن بابها أصغر من أن يكفي لخروج بضعة أشخاص، هكذا وجدنا مدرسة الخنساء حين عدنا إليها كبارا بعد أن تخرجنا في الجامعة.
كان عصر الخميس أسعد لحظات الأسبوع كله حيث تنتهي ستة أيام من الدراسة المتواصلة، فقد كنا نبدأ يوم السبت وننتهي بنهاية عصر الخميس ولم تكن هناك إجازة سوى يوم الجمعة فقط كنا نقضي معظمه على شاطئ البحر فبيوتنا كانت تطل عليه، وعيوننا كانت معلقة به، وطعم الملح يكاد ينضح من مساماتنا ونشمه حتى أثناء نومنا، لقد كان البحر رفيق طفولتنا، ومحطة لعبنا الأولى ونهايته، وحين يفتقدنا الأهل كانوا يبحثون عنا كطيور النورس على سيف (شاطئ) البحر، أحيانا كنا نكره المدرسة لأنها كسرت علاقة الحب المسترسل مع البحر، في الحقيقة لقد هلت سنوات السبعينيات بعواصفها لتكسر الكثير من رتابة المشهد العام في كل المدينة بأناسها ومبانيها وعلاقات أهلها ببعضهم وبالبحر وبكل التفاصيل.


ayya-222@hotmail.com