ما وراء البحار
إن وجود البحار والمحيطات وعلاقة الإنسان بها منذ بدء الخليقة وشغفه الشديد لمعرفه ما وراء هذه المياه التي تحمل على صفحاتها وفي باطنها العديد من الأسرار، والتي بدأ الإنسان يتعامل معها في بداية الخلق من خلال البحث عن الغذاء على الشواطئ الممتدة، بل وتطور الأمر إلى أن تمكن من صنع قوارب خشبية، وأخذ يتطور بهدف البحث عن الغذاء بكميات أكبر حتى تمكن من صناعة السفن، وبالطبع نعلم أن أقدم رحلة بحرية هي التي قام بها سيدنا نوح عليه السلام لينجو من الطوفان بعد أن أمره الله ببنائها.
وكان للرحلات البحرية العديد من الفوائد التي تم اكتشافها عندما كانت هناك منافسة كبيرة بين الفينيقيين واليونانيين وكان كل منهم يقوم بإخفاء ما لديه من أسرار حول الأنشطة البحرية التي يقومون بها، حيث ثبت فيما بعد من خلال بعض المؤرخين أن الطموحات البحرية وصلت إلى القيام برحلات للدوران حول أفريقيا كما تم العثور على اكتشافات في إسبانيا وصقلية لسفن قديمة وكبيرة مصنعة من خشب الأرز ومعالج بمواد كيميائية، وبالطبع نعلم أن خشب الأرز موجود في لبنان المكان الذي عاش فيه الفينيقيون قبل الميلاد بعدة قرون وهذا ما كان على مستوى الفوائد من ناحية اكتشاف أماكن ووجهات وقارات جديدة لم يكن الإنسان يعرفها.
ولكن هناك أيضاً فوائد علمية نتجت هذه الأنشطة البحرية والتنافس حولها في الزمن القديم، حيث ساعدت هذه المنافسات في نبوغ مجموعة من العلماء ليست بالقليلة وتوصلوا للعديد من النظريات التي رسمت لنا حياتنا حتى وقتنا هذا ومنهم فيثاغورس الذي جاء بفكرة كروية الأرض وأفلاطون الذي جاء بفكرة القارة المفقودة “اطلانتس” وأرسطو الذي أثبت كروية الأرض بالطرق الرياضية والعديد من المفكرين وكان للرحلات البحرية أكبر الأثر في ما توصله إليه من نظريات علمية وفكرية.
وقد كان اليونانيون في هذا الوقت من أنشط من تعمق في الرحلات البحرية وشعروا بأهميتها وكانت لديهم عدة اكتشافات وتجارب كثيرة شهدت بعضها النجاح وكان من أهم ما قاموا به في عهد الإسكندر الأكبر هو رسم خرائط لسواحل باكستان وإيران وبلاد العرب.
وكان للعرب دور كبير في تطور الرحلات البحرية ولكن من خلال التعامل مع الرياح والفلك فهم من عرف الرياح الموسمية ومواعيدها خلال فصلي الشتاء والصيف وعلموها لليونانيين والذين كانوا يستخدمونها في دفع مراكبهم الشراعيه واستخدام الرياح المعاكسة عند العودة، كما قام العرب بتطوير جهاز الإسطرلاب لقياس ارتفاع النجوم والكواكب وجعلوه أكثر دقة ، كما قاموا باستخدام أجهزة أخرى السدس والتيودوليت والبوصلة، وكان ما يميز العرب هوه معرفتهم بطبيعة البحار سواء أثناء الرحلات الطويلة أو في معرفة الأحوال المناخية المتقلبة والموسمية وكانوا يحسبون أوقات الأسفار وسرعة المراكب والمسافات.
وعرف العرب السندباد البحري الذي كان يعتبر تجسيداً للملاح العربي سليمان التاجر والذي يعتبر من المصادر المهمة لمعرفه تاريخ البحار في آسيا ، وكانت للكتب التي كتبها أحمد ابن ماجد حول رحلاته في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي أكبر الأثر في تطور علم الملاحة البحرية.
ويعتبر الرحلات البحرية من الأمور التي يمتد تاريخها إلى بدء الخليقة ومرت بتطور كبير على مر الزمان وكان للعرب الدور الكبير في وصع الأسس العلمية والمهارية التي على أساسها تم وضع علم الملاحة وقوانين البحار، ونأمل أن نعيد ريادتنا ثانيا في هذه الصناعات التي بنيت وتطورت من خلالنا وهذا ما نجده الآن من خلال الاهتمام الذي توليه الدولة بتنشيط الرحلات البحرية وان تكون بلادنا مركزاً رئيسياً للرحلات البحرية. وحياكم الله..
رئيس تحرير مجلة أسفار السياحية
a_thahli@hotmail.com