قرار مجلس الوزراء بتحرير عدد من الوكالات التجارية في المواد الغذائية والسلع الرئيسية، وفتح مجالات استيرادها، وجلبها إلى الدولة، من أي دولة، وإلى أي شخص، وبأي كمية، قرار استراتيجي يصب في مصلحة المواطن والمقيم أولاً وأخيراً، وهو محور اهتمام الحكومة ومتصدر سلم أولوياتها، ويؤكد ترجمة توجهات الحكومة للمضي نحو سوق حرة، وأنه لن يكون هناك احتكار مطلق لسلعة مهمة، ولأي مادة غذائية في الطريق نحو تحرير كل السلع والمواد الاستهلاكية وغيرها، وهي السياسة التي تنتهجها الدولة.
إن القرار يعكس جدية الحكومة برئاسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بدعم كل الجهود والخطط البرامج المشاريع الرامية الى خفض أسعار السلع الأساسية، والحد من ارتفاع الأسعار الذي طال كل شيء بمناسبة ومن غير مناسبة، ونال من جيوب المستهلكين من مواطنين ومقيمين، وبات هاجساً يقلق المجتمع، وثعبانا يلتهم كل درهم يدخل في جيوبنا، ولا يكاد يمر شهر من دون أن يفاجئنا تاجر هنا أو مستورد لسلعة هناك بالإعلان عن رفع جديد للأسعار بحجج واهية، غير مقنعة، والغريب أن أسعار السلع والمواد الاستهلاكية تنخفض في كل بقاع الأرض إلا عندنا فهي في ازدياد مستمر.
قرار تحرير الوكالات التجارية، خطوة جادة من الحكومة، لوضع حد لموجة الغلاء، وارتفاع الأسعار التي يشتكي الجميع منها، والمفارقة الغريبة أن الجميع أيضاً يساهم بها، ويدعم جهود التجار الذين يحبون ويسعون بطبعهم للربح، ومضاعفته قدر المستطاع، فليس هناك ما يمنعهم من زيادة الأسعار ورفعها بين فينة وأخرى، ما دام المستهلك مقبلاًَ غير مدبر، متذمراً ومستاء لكنه يشتري ويستهلك بإسراف، فيجمع ما يحتاجه وما لا يحتاجه.
منظر العربات وتدافعنا على الجمعيات ومحال بيع السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، لا يوحي أبداً ولا يعبر عن استيائنا لتصرفات بعض التجار، ولا يعكس حالة عدم الرضا، التي نبوح بها في المجالس، وبرامج البث المباشر بالإذاعات فقط، فيما لا تعكس تصرفاتنا وسلوكنا الاستهلاكي أي نوع من أنواع التذمر وعدم الرضا عن الأسعار التي صارت عليها أسواقنا اليوم، بل العكس كل واحد فينا يشتري ما يفوق حاجته أضعافاً مضاعفة، ويستنزف ميزانية من دون وعي أو حكمة، ثم يأتي ليشتكي ارتفاع سعر سلعة، وزيادة على أخرى.
نحن كمستهلكين شركاء أساسيون في تحديد الأسعار، وارتفاعها، ومشاركتنا مباشرة عن طريق إقبالنا المفرط على الشراء، مما يغري التجار في رفع الأسعار، فيما لو تحكمنا بسلوكنا الاستهلاكي قليلاً، وكبحنا ولعنا الشرائي قليلاً، فإن ذلك سيجعل التاجر والمورد يفكر ألف مرة قبل أن يرفع سعر أي سلعة، لأنه في النهاية يريد بيع أكبر قدر ممكن من المواد لتحقيق الفائدة، ومتى ما شعر بأن المستهلك يفكر جيداً بالسعر سيجعله ذلك يراجع حساباته لمصلحة المستهلك، ولا عزاء لكل محتكر.
m.eisa@alittihad.ae