من العبارات المعروفة لمعظمنا قولنا “ليس كل ما يلمع ذهبا”، وهي من أكثر العبارات دلالة واختصارا لمعاني ومواقف وتجارب، هي عبارة تصلح اليوم أن نطلقها على كثير مما تحويه مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك وغيرهما، وإن كنت من أكثر المتحمسين لثورة الاتصالات التي نمارسها جميعا بأشكالها المختلفة، إلا أنه ليس كل ما أتت به هذه الثورة يستحق الاحتفاء والمتابعة والإعجاب، وهنا فالأمر لا علاقة له باختلاف وجهات النظر، بقدر ماله علاقة بتوظيف هذه الثورة من قبل جهات مختلفة، كل يسعى لتحقيق هدف أو مصلحة خاصة.
التوظيف البراجماتي أو النفعي للتكنولوجيا، أمر بدهي ومتوقع، لكننا ونحن نعلي من شأن هذه المواقع وننغمس فيها أكثر وأكثر، نحتاج إلى أن نكون حذرين ويقظين، ومن يريد أن يتعرف على ما قادت إليه التكنولوجيا من كوارث فبإمكانه البحث عما بات يعرف بالجرائم التكنولوجية في أقسام الشرطة في كل مكان، وقد عرضت إحدى القنوات منذ مدة فيلما وثائقيا من إعداد قسم الجرائم التكنولوجية في بريطانيا، حول قيام عدد من المهووسين بالأطفال بتتبع حسابات مراهقين ومراهقات والاتصال بهم والإيقاع بهم، ما جعل الشرطة هناك توجه نداءات للأهالي بضرورة مراقبة ومتابعة حسابات أبنائهم وبناتهم. لقد كتب الكثير عن التوظيف السيئ للتكنولوجيا، وأعدت حوله دراسات وأبحاث علمية محكمة ، وبما أننا نعيش طفرة غير مسبوقة من حيث إقبال أغلب الناس على مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك ، فعلينا أن نتنبه إلى أن هذا الإقبال الكثيف يعتبر فرصة مناسبة لكل من يريد أن يعرض بضاعته ويزكيها ويقسم على جودتها وأهميتها، بضاعة هذه المواقع معروفة: الكثير من أفلام الفيديو القصيرة، الوثائق، الرسائل الإلكترونية، الصور والكثير الكثير من الكلام الذي يقدم على أنه حقائق خطيرة، ووثائق سرية تنشر لأول مرة، وغيرها من العبارات المستفزة والمثيرة التي توقعنا في شرك الدخول والقراءة، واحيانا التصديق!!
“ليس كل ما يلمع ذهبا” عبارة قد يعيها شخص جرب الدنيا وخبر دهاليزها، وقد يتمكن العارف والقارئ والمطلع وأستاذ الجامعة والكاتب والمثقف من تفكيك الخطابات المرسلة إليه، ومن فحصها جيدا قبل تصديقها ، لكن كثيرا من الشباب الصغار والمراهقين لا يمتلكون تلك الأدوات التي تعينهم على التثبت والتأكد مما يعرض عليهم، هؤلاء بحاجة إلى أن يسألوا وأن يتبادلوا المعلومات، وواجب الأهل والأصدقاء أن يقدموا لهم المساندة المطلوبة، لأن بعض هذه الرسائل والخطابات تتكئ على تأجيج الكراهية، أو التشكيك في حس الولاء والوطنية والانتماء وبعضها يعزف على وتر النعرات والتفكك والفوضى تحت أسماء براقة ومغرية. هناك من يشتغل على تحقيق أهداف كبرى ومخططات عالمية، لأن العالم تتحكم فيه تجمعات مصالح تسعى للسيطرة على موارد الطاقة والثروة، انطلاقا من أهداف اقتصادية وسياسية، وأخرى تتستر بالدين وثالثة تسعى لتحقيق أجندات هؤلاء جميعا، وكلهم يوظفون التكنولوجيا وينشرون الإشاعات والأكاذيب والمغالطات ويوزعون الشكوك والاتهامات للوصول إلى الهدف الأكبر: فوضى المجتمعات.
إن ما يعرض علينا ليل نهار يحتاج منا إلى وقفة تفكير ، ففي أوقات ومفاصل تاريخية كالتي تعبرها المجتمعات اليوم يحتاج الإنسان للعقل والمنطق، أكثر مما يحتاج إلى أي شيء آخر، فالخطأ مكلف جدا، لكن الكلفة لن يدفعها فرد، بل سيتورط في دفعها مجتمع بأكمله.
ayya-222@hotmail.com