قال الأصمعي لأعرابي: أتقول الشعر؟ قال الأعرابي: أنا ابن أمه وأبيه. فغضب الأصمعي فلم يجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوح ما قبلها مثل (لَوْ) قال فقلت: أكمل، فقال: هات. فقال الأصمعي: قـــــــــــــــومٌ عهدنــاهــــــــــم ســــــقاهم اللــــــه مـــن النـــو الأعرابي: النـــو تلألأ فـــي دجــــى ليلــــةٍ حـالكـــــــة مظلمـــــــةٍ لــــــــو فقال الأصمعي: لو ماذا؟ فقال الأعرابي: لو ســـار فيهـا فـــارس لانثنــــى علــــــى بـــــه الأرض منطـــــــو قال الأصمعي: منطو ماذا؟ الأعرابي: منطوِ الكشــح هضيـــم الحشـــا كالبــاز ينقــــض مــــن الجــــــو قال الأصمعي: الجو ماذا؟ الأعرابي: جـــو الســـما والريـــح تعلو بـــه فاشـــــتم ريــح الأرض فاعلـــــــو الأصمعي: اعلو ماذا؟ الأعرابي: فاعلــــوا لما عيـــل من صبــــره فصــــــار نحـــو القــــوم ينعـــــو الأصمعي: ينعو ماذا؟ الأعرابي: ينعـــو رجـــالاً للقنـــا شــــرعت كفيــت بمــــا لاقـــــوا ويلقــــوا الأصمعي: يلقوا ماذا؟ الأعرابي: إن كنـــــت لا تفهـــم ما قلتــــه فأنـــــت عنــــــدي رجــــل بـــو الأصمعي: بو ماذا؟ الأعرابي: البو ســـلخ قــد حشـــي جلـــده بأظلــــــف قرنيــــــن تقـــــم أو الأصمعي: أوْ ماذا؟ الأعرابي: أو أضـــــرب الـــرأس بصيوانـــةٍ تقـــــول فــــي ضربتهــــا قـــــو قال الأصمعي: فخشيت أن أقول قو ماذا، فيأخذ العصى ويضربني!! وحكى الأصمعي، فقال: ضلّت لي إبل فخرجت في طلبها وكان البرد شديداً فالتجأتُ إلى حيّ من أحياء العرب وإذا بجماعة يصلون وبقربهم شيخ ملتف بكساء وهو يرتعد من البرد وينشد: أيا ربّ إن البـــرد أصبــح كالحــاً وأنــت بحالـــي يا إلهـــي أعلـــمُ فإن كنت يومـاً في جهنـم مُدخِلي ففي مثل هذا اليوم طابـت جهنمُ قال الأصمعي «فتعجبت من فصاحته، وقلت يا شيخ أما تستحي تقطع الصلاة وأنت شيخ كبير»؛ فأنشد يقول: أيطمعُ ربّي في أن أصــــلي عاريـــاً ويكسو غيري كســـوة البـرد والحرِّ فوالله لا صليتُ ما عشـــت عارياً عشاءً ولا وقـت المغيــب ولا الوترِ ولا الصبح إلا يوم شمس دفيئـــة وإن غممت فالويل للظـهر والعصرِ وإن يكسني ربي قميصا وجبــــــة أصلي له مهمــا أعيـش من العمــرِ قال فأعجبني شعره وفصاحته فنزعت قميصا وجبة كانا علي ودفعتهما إليه وقلت له البسهما وقم فاستقبل القبلة وصلِّ جالسا وجعل يقول: إليك اعتذاري مـن صلاتي جالسـاً على غير طهر مومــياً نحــو قبلتـي فمالي ببرد المـــاء يا ربّ طاقــــة ورجلاي لا تقوى على ثنــي ركبتـي ولكنني أســــــتغفر الله شــــاتياً وأقضيكها يا ربّ في وجه صيفتــي وإن أنا لم أفعل فأنـــت محكـــــــم بما شئت من صفعي ومن نتف لحيتي قال فعجبت من فصاحته وضحكت عليه وانصرفت.