صفاء النفوس
قيل إنه غسيل القلب وأداة لمحو الكراهية وفيه صفاء النفوس وقيل إنه فنٌ ولونٌ من ألوان الخطاب يختص بالمتحابين وأصحاب العلاقات المترابطة والوشائج القوية، وقد يكون من الخطورة بمكان إن لم يُستخدم على الوجه الأمثل، ويُوضع في موضعه اللائق به.
وقيل «قليل من عتاب خير من حقد دفين» ومعناها أن العتاب بين الاحبة والأصدقاء والإخوة ليس بالشيء الكريه، فالصراحة مطلوبة والصدق في المعاملة أمر ضروري لاستمرار الشفافية بين الطرفين فعندما تخطئ في حقي فمن واجبي كصديق أن أنبهك، ولا مشكلة في قليل من عتاب كرد فعل طبيعي لخطئك، ولكن إن صمت فسيتكرر خطؤك مرة واثنتين وثلاثاً، وتولد الحقد لا شعورياً.
فالعتب نعمة لمن أحسن استخدامها بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب ومع الشخص المناسب الذي يتقبل العتاب اللطيف بصدر رحب، ومن فوائد العتب المعروفة أنه يزيل صدأ البغض والكراهية من القلوب ويزيد المحبة والألفة ويذهب نزغ الشيطان وينقي النفوس ويطهرها من ظنون الإثم ويقوي أواصر الود والتفاهم بين العلاقات الإنسانية.
فالإنسان لا يقاطع أخاه على ارتياب ودون استعتاب، وبدلا من أن نحمل في صدورنا ونكبت اللوم على خطأ أو صواب ونفتح لوسوسة الشيطان بابا وجب علينا أن نتعاتب ونعطي أنفسنا والآخرين فرصة لتبرير موقف أو الاعتذار لتعود أواصر الخير بيننا وإذا تطرقنا ها هنا عن العتاب وجب علينا أن نذكر التسامح المقترن به والذي يفتح أفقا كثيرة للتخلي من الحقد و البغض الدفين في داخلنا .
ولكن هناك شروطا ومعايير لابد منها ولابد لنا من الوقوف عليها لكي نصل إلى الهدف من العتاب أهمها أن لا يزيد عتابك على المعاتب وان لا يتحول الحديث بينك وبين الطرف الآخر كنوع من التوبيخ ويجب أن لا تستخدم صفة الإلحاح حتى لا يتحول النقاش لهجوم غير محبب، وضع النقاط على الحروف عندما تعاتب، حدد بدقة الأشياء التي ضايقتك وأحسس الطرف الأخر انك باق على علاقتك الإنسانية به وان عتابك ما هو إلا من باب البقاء على المودة بينكما ولا تستخدم خلال عتابك كلمات جارحة وحاول انتقاء ألفاظك بعناية تامة حتى لا تحرج الطرف الآخر فلا يعود ينسى كلماتك وكن هادئا في مناقشتك له لأن الهدف من العتاب هو إرجاع الحب والخير بينكما.
وهكذا يكون العتاب الرقيق باستخدام الألفاظ الرقيقة التي لا تؤثر سلبًا على نفس سامعها بحيث ينسى أنه عتاب ويتحول إلى مُدافع ومجادل عن موقفه ليثبت أنه على صواب، ولا يؤتي العتاب في تلك الحالة ثمرته المرجوة.
وعلى هذا المنوال من الأدب الجم والفقه العميق لفن العتاب تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في المواقف التي تحتاج إلى ذلك، وتوجيههم إلى ما هو أصلح وأولى فكان صلى الله عليه وسلم بذلك يهذب أصحابه ولا يلجئهم إلى الدفاع عن أنفسهم بل يلفت انتباههم إلى العبرة والعظة من العتاب. وحرص صلى الله عليه وسلم أن تكون الصيغ والكلمات معبرة وموحية بالحب والعطف والشفقة على محدثه، لتنفذ هذه النصائح والكلمات إلى قلبه فيتأثر بها ويعمل بمقتضاها.
Maary191@hotmail.com