من أفضال الإسلام على المرأة العربيّة
للإسلام أفضالٌ كثيرة على المرأة العربيّة إذْ كرّمها وأعتقها من مظاهرَ كثيرةٍ من الاستعباد، كما حرّرها من كثير من المظاهر الأنترُوبُولوجيّة البالية التي كان المجتمع الجاهليّ يفرضها عليها فرْضاً صارماً، فكان بذلك يعاقبُها عقاباً يجعلها في مرتبة واحدة مع الحيوان، حين كانت تدخل في حِداد، وهو المصطلح الذي أُطلِقَ عليه في الفقه الإسلاميّ “العِدَّة”.
وحدُّ الشيءِ حقيقته. ومعناه، كما يراه أبو حيّان التوحيديّ، أنه ليس يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج منه ما هو فيه. وكأنّ الحِداد منه، لأنّ المرأة إذا حدّتْ ـ أو أحدَّتْ، بمعنىً واحدٍ ـ لبِست الحِداد، وهي الثياب السُّود، ومنعتْ نفسَها من العادة في النَّعمة والتنعُّم.
والحقّ أنّ الحِداد دأبٌ عالَميّ مفروض على المرأة حين يُتوفَّى عنها بعلُها، وأكثر ما يكون بالاجتزاءِ بارتداء الملابس السّودِ لدى الْمُحِدّاتِ الغربيّات اللواتي يرتدين السّوادَ، في الحقيقة، علامةً على فِقدان قريب أو حبيب، ولكنّهن لا يمتنعن عن التزيّن الخفيف.
ونتوقّف اليوم عند مظهر أنتروبولجوجيّ كان يشيع في المجتمع الجاهليّ، حيث كانت المرأة العربيّة هي التي تتحمّل تبِعاتِه، وتتجشّم نتائجه؛ فقد كانت هذه المرأة، في عهد ما قبل الإسلام، إذا تُوُفِّيَ عنها بعلُها تُحِدُّ عليه حولاً كاملاً بحيث تلبَس شرَّ ثيابها، ولا تمسُّ طِيباً، ولا تغتسل بماء، ولا تقلم أظافرَها، ولا تمشط شعرها، بلْهَ تسرّحه وتعطّره تعطيراً.
ثمّ تخرج على الناس بعد أن يمرّ عليها حولٌ كَرِيتٌ بأبشع منظر، وأسوإ حالٍ، وأقبح خِلْقة. ولم يكن المجتمع يرضى منها بذلك وكفى، ولكنّه كان يفرض عليها، بعد مرور عام على وفاة بعلها، جملةً من الطقوس الفولكلوريّة كانت معروفة لديهم في عهد الجاهليّة، فكانت المرأة الْمُحِدُّ (كذلك تسمَّى في العربيّة) تُؤْتَى بطائرٍ فتفتَضُّ به قبُلَها، ثمّ تَنبِذه فكان لا يكاد يعيش. وكان ذلك السلوك يعني في طقوسهم كسْرَ ما هي فيه، كأنّها تكون في عِدّةٍ من زوجها، فتكسر ما كانت فيه، فتخرج منه بفضل الدّابة التي كسرتْها، فيما كانوا يزعمون. ومعنى الاِفْتضاض، في العربيّة، الكسْر، كما هو معروف. ثمّ تُعطَى المرأةُ الْحَادُّ بَعَرَةً فترمِي بها، في طقوس بدائيّة مُذِلّة للأيِّم أيّما إذلالٍ. وكلّ ذلك كان، في رأينا، من أجل تحسيس المرأة بانحطاط منزلتها الاجتماعيّة بالقياس إلى الرجل، وإلاّ فلِمَ لَمْ يكن ذلك، كلُّه أو بعضُه، يُفرَضُ على الرجل حين تُتَوَفَّى عنه امرأته.
فالمرأة العربيّة في الجاهليّة المتوفَّى عنها بعلُها لم يكن المجتمع يجتزئ بما أصابها من مصيبة في فِقْدانه، ولكنّه كان يقسو عليها حين تقع في تلك المصيبة فتتعرّض للتبشيع والتوسيخ وإهمال جسدها حتّى تصبح كالمدخنة المتنقّلة، إذْ لم يكن من حقّها أن تُعْنَى بشيء من تنظيف جسمِها، ولا غسْل ملابسِها، فاقتصر الإسلام من كلّ ذلك للمرأة الْمُعْتَدّةِ على عدم التزيّن كالتكحّل والتعطّر وتسريح الشعر أو صبغه، أو الخروج في زينةٍ ممّا يثير الانتباه.