المستذئب!
من العبارات الشهيرة في المهنة، والتي تكررت كثيراً في المسلسلات، وسمعناها في بدايات مسيرتنا ببلاط صاحبة الجلالة، ما كان يردده أساتذتنا عن الخبر الصحفي: «إذا عض كلب رجلاً، فهذا ليس خبراً، لأنه عادي، لكن الخبر أن يعض الرجل كلباً»، وظلت عالقة بالأذهان، لكننا لم نشاهد يوماً رجلاً يعض كلباً، وإنما شاهدنا رجلاً يعض رجلاً، بل ويعض رجالاً!
هذا ما حدث من قائد منتخب أوروجواي لويس سواريز، الذي عض المدافع الإيطالي جورجو كيليني، في واقعة غريبة ومشينة تماماً من النجم الذي تغنت به الجماهير، قبل أن نكتشف أيضاً أن لسواريز سجلاً حافلاً مع «العض»، بلغ ثلاث حالات حتى الآن، حيث سبق له أن عض لاعباً في الدوري الإنجليزي، وعوقب بالحرمان من المشاركة في 10 مباريات بالدوري الإنجليزي، إضافة لحالة أولى في هولندا، وأخيراً واقعة مباراة إيطاليا.
المشهد كان غريباً وصادماً في كل تفاصيله، فقد شاهدناه سريعاً وبطيئاً ومن كل الزوايا، وشاهدنا آثار أنيابه في كتف كيليني، الذي كان وكأنه وقع ضحية لمستذئب، من أولئك الذين نشاهدهم في أفلام هوليود الخيالية، ولولا أننا شاهدنا ما حدث لما صدقناه، فكاميرات المونديال تفضح المخالفين، حتى لو ادعوا خلاف ما فعلوا وأفرطوا في التمثيل كما فعل سواريز، الذي سقط على الأرض، وشغلنا بمحاولة علاج أسنانه، وكأنها سقطت على الأرض، ومع الإعادة، تأكدنا أنها «عضة» مع سبق الإصرار والترصد.
والغريب في المشهد، أن سواريز كان يتجه إلى «العض» ولا شيء غيره، وبرغم من أن الظروف ليست مهيأة لذلك، مع إيقاع المباراة السريع، إلا أنه كان قد اتخذ قراره و«سنّ أسنانه» والتهم كتف كيليني في واقعة لا أعتقد أنها ستمر مرور الكرام، وستكون لها توابعها على مستقبل اللاعب الذي سقط أخلاقياً، بعد أن كان في قمة مجده طوال الأيام التي مضت من المونديال.
ولم يكتف سواريز بما حدث، وإنما جاءت تصريحاته بعد الواقعة لتعكس حالة من الاستهتار وعدم اللامبالاة، وتؤكد أن هذا السلوك المشين متأصل فيه، حتى ولو كان من أفضل لاعبي العالم، فمن ميزات الكرة أنها مقرونة بالأخلاقيات، والجماهير بطبعها، لن تتقبل أحداً ليست لديه أخلاقيات، حتى ولو كان معجزة العصر والأوان.
سواريز قلل من الحادث، وقال إن ملايين الأمور تحدث على أرض الملعب، وأنه لا يجب أخذ هذه الأمور بجدية، كما أصر على أن هذه الحادثة أمر طبيعي يحدث أثناء المباريات، وذهب لأبعد من ذلك، حين أكد عدم حاجة الأمر إلى تحقيق من قبل «الفيفا»، لأنه حسب وصفة، «ما يخص الملعب، يجب أن يبقى داخل الملعب».
بقي من واقعة سواريز وجهها الطريف، فقد ربح مشجع نرويجي 900 دولار لأنه توقع «العضة» في أحد مكاتب المراهنات، وبدأت شركات الدعاية في استثمار الحدث في الإعلانات، كشركة «العلكة» التي تطالب الناس بأن يمضغوا «العلكة» ولا يقتربوا من لاعبي الكرة، وشركة «الشيكولاتة» التي نصحت سواريز، حين يشعر بالجوع بأن يأكل منتجها بدلاً من «العض»، وهو ما سارت عليه شركة أخرى لإنتاج الطعام، وهي طبيعة هذا العالم الشره، الذي يصر على استثمار الجمال والقبح معاً.
كلمة أخيرة:
كل أهداف العالم.. قد تجلب لك «الكأس» ولكن ليس بالضرورة أن تجلب لك «الناس».
mohamed.albade@admedia.ae