لماذا فاشل!!
تعاني الفعالية الثقافية التي تستهدف الجمهور من مأزق حقيقي، يطرح علامة استفهام كبيرة حول جدوى استمراريتها، فهذه الفعالية فاشلة بامتياز لأسباب عديدة منها: افتقارها لجمهور كمي ونوعي جاد، ولا تحظى بتغطية إعلامية احترافية تخصصية متزنة، ولا تترك أثرا في الحراك الثقافي يؤسس لتاريخ أو مسيرة ذات ملامح، يمكن أن تكون منارة للأجيال ووثيقة للمؤرخين والنقاد، وهذا الفشل نابع من الرغبة في تسجيل رقم لعدد الفعاليات دون الالتفات إلى جوهر العملية التنظيمية الفعلية للفعالية، ما يدرجها في القائمة الإجرائية الروتينية، ويبعدها عن هدفها الرئيس، وهو إحداث فجوة في جدار الجهل، ورمي حجر في بحيرة الروتين القاتل.
الفعالية الثقافية هي أداة تنويرية جدلية استفزازية جريئة، تتوق لتصبح موجة أو إعصارا فكريا يحرك الحجارة والمتحجرين، وتبني بيتا ركائزه الإدراك والفكر والتفكر والتأمل، وتطرز واحة يتفيأ في ظلالها كل الناس بمستوياتهم المتباينة، ليحاكوا أنفسهم قليلا، بعيدا عن الاستسلام للحياة المادية التي أبعدتهم عن سبب حياتهم، وأجلَتهم عن ساحة القيم والمضامين المصيرية الكبرى، وطنية واجتماعية واقتصادية، وأقصتهم عن أدوارهم في المشاركة بالبناء الذاتي الفردي، والعام المجتمعي.
والفعالية الثقافية لا يمكن أن تنجح إلا إذا استندت إلى إستراتيجية رسمية، بحيث تكون قطرة في شلال، تدعمها القطرات الأخرى بانسجام وتوازن، وإذا ما بقيت هذه الفعالية من مسؤولية الجمعيات ذات النفع العام، بمواردها وإمكانياتها المحدودة، بشريا وثقافيا، فإنها لن تنتج سوى الفراغ، والطنين في غرفة مغلقة، بحيث لن تؤثر إلا في صاحبها المسجون داخل القفص الإسمنتي، وقبل ذلك، المسجون داخل روحه.
كثيرون اعتزلوا حضور الفعاليات الثقافية، ومعظمهم من المثقفين والمبدعين، الذين ابتعدوا عنها حتى بالمشاركة، فهل يمكن توجيه اللوم لهم، لاسّيما أنهم من الأعضاء العاملين في هذه الجمعيات على مختلف اهتماماتها؟ ولا يقتصر الأمر على الأمسيات والندوات، وإنما ينسحب على المسابقات والجوائز، ما يشير إلى أزمة ثقة بين المبدع والمؤسسة الثقافية، لا بد من الكشف عن أسبابها.
الفعالية الثقافية لا يمكن أن تنجح إلا إذا تحولت الثقافة إلى خبز يومي للإنسان، والمعرفة إلى مطلب الحياة من المهد إلى اللحد، ولا تتحول الثقافة إلى ما ذكرنا إلا إذا ارتفع سقف حرية التفكير، وليس التعبير فقط، فالأولى تولّد الثانية، وتدفعها دفعا نحو رفع الصوت لتلوين الفضاء.
akhattib@yahoo.com