لا فضل لعربي على أعجمي
لا يضاهي بعض غُلاة القومييّن العرب في نعتهم للفرس بالمجوس، وغيرها من النعوت التي ترمي إلى التحقير والترذيل والاقصاء من الصفوة البشريّة التي يتمتّع بها العرق العربي “النقي”، لا يضاهي هذا الغلوّ، إلا غلو فارسيّ مقابل يحمل نفس الجينات العنصريّة ونفس التعالي الكاذب من سمات الصراع الموتور الذي يرمي جانبا كل قاعدة نزيهة لصراع حقيقي، أو لسلام كما ينبغي ويجب بين جارين يجمعهما تاريخ روحي ومعرفي مشترك.
في الفترة الأخيرة ومنذ احتلال العراق على ذلك النحو المأساوي، دأب مسؤولون إيرانيون، في معرض ردهم على ما يسمونه “الشيطان الأكبر” أو العدو الأمريكي الغربي، على إضافة جملة في سياق الرد المزلزل لفظياً بالطبع؛ بأن “إيران ليست العراق!”.
ثمة نفر في هذه الأمة أو تلك يعتقد بمقولة الرسول عليه السلام “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى” هذه التقوى، يمكن أخذها على النحو الثقافي والعلمي والحضاري، كما الديني. وهو ما يلجم النزوع العنصري المتوارث، عبر ذاكرة ووقائع تاريخيّة مشهودة..
ويتساءل الفرد الذي يتبنى هذه الوجهة، عن ما يميّز إيران عن العراق والعرب بصورة عامة.
على مستوى التاريخ القديم هناك الحضارة الفارسيّة الساسانيّة، التي هي نقطة مركزيّة في تاريخ الحضارات، لكن هناك من قبلُ ومن بعد، حضارات بلاد الرافدين التي علمّت البشريّة أبجدياتها الأولى، وكانت السبّاقة إلى كل ما هو معرفي ومدني وقانوني في تاريخ الانسان..
ومع بزوغ الإسلام، واستواء المشروع الجديد كحضارة مركزيّة على مستوى العالم، كانت بغداد حاضرة العالم ومثاله المدني والعلمي، في حين لم تقم لفارس أي قائمة، إلا تحت لواء الإسلام وفضائه وفحواه..
وحتى الدولة الصفويّة التي شرعت في منافسة الإمبراطورية العثمانيّة الصاعدة، قبل تدمير هذه الرغبة ووأدها، كانت أذربيجانيّة تركيّة، وليست فارسيّة..
وكان باشوات أفغانستان يحتلون البلاد الفارسيّة لعشرات السنين إن لم تلحق بالمئات.. وإذا كان المسؤول الإيراني يقصد الحاضر العراقي، فالعراق لم تسقط تحت حوافر الغزو التكنولوجي المدججّ الذي يصل حدّ الخرافة، إلا بعد أن أنهك البشر والحجر تحت جحيم الحصارات ومن ثم القصف والتدمير الساحق، الذي شاركت فيه الدولة الإيرانية جنباً إلى جنب مع الشيطان الأكبر!
على عكس موقف جارها التركي النبيل.. وليس النظام “الأكليروسي” العسكري بأفضل من أنظمة عربيّة، حيث يجمعهما فقدان المشروع الحضاري الجدي والتخبّط وعدم وعي الوقائع والتاريخ بالمعنى الحقيقي، مهما شطّ الخطاب الإيراني في راديكاليته وجموحه العنيف على نمط الخطاب “الصدامي”..
لا فضل لأحد على أحد إلا بالانجاز الحضاري، العلمي والمعرفي، في حَلبَة هذا السباق الكوني الذي نتمنى أن يكون العرب والفرس في السياق إيّاه الذي ما زال حلماً بعيد المنال.
وحتى لو تحقق (بعد عمر طويل) لا يحق لأحد ذلك النوع من الزهو العنصري والخيلاء المجانيّة.
تحية لأصدقائنا الشعراء والكتّاب الإيرانيين ومثلما يقول هلدرلين: “ما تبقى يؤسسه الشعراء”.