تنزل إلى الشارع وتدخل مركز المدينة باتجاه السوق، يصدمك الحشر والنشر من البشر الذين جاؤوا من كل فج عميق، يقصدون الزعيق والنعيق، المحيق بالناس من حدب وصوب·· لا تدري لماذا هذا الفوج الهائل من الكتل البشرية، التي تتزاحم وتتلاطم وتتفاقم كالأمواج في يوم ريح عاصف وناسف، وخاسف·· لا تدري لماذا الناس، يتهافتون ويتساقطون كالكسف على الصالات والباحات والواحات الواسعة، التي أصبحت أضيق من ثقب إبرة، بفعل هذا الالتحام والاقتحام والازدحام، والالتئام بكل صلف وكلف وتلف·· النساء والرجال كتفاً بكتف وخاصة الشباب ذوي الجدائل والفصائل، وفروق الشعر، على الموضة وأحدث الصرعات والجرعات، لا تدري لماذا تتحول الأسواق العامة في المناسبات إلى حلبات للتباهي والتماهي والتفاخر الزاخر بأحدث الأشكال والأصناف والأطياف من محدثات الدهر، وما جادت به، تكنولوجيا العصر من مساحيق، وتحاليق، وبحاليق تجعلك تسير في الممرات والطرقات غريب الوجه واللسان، لا تعرف أين أنت تحط قدميك وأين تحل بمقلتيك وكأنك التائه في سفوح وطفوح وبروح· لا تدري لماذا هذا الطوفان الجارف النازف الغارف العازف يغرق الأرض الطيبة بعصبية وهستيريا فجة غليظة القلب واللب·· لا تدري لماذا يتوحد الناس في هذه المناسبات من أجل الفوضى العارمة والأماكن المتأزمة، والأوقات المحتدمة فلا أحد لديه وقت في أن يفكر ماذا يفعل ولماذا جاء ومتى يعود إلى منزله·· المهم في الأمر أنه جاء واختلط من غير خطط أو وعي، المهم أنه دخل المولات المبهجة ليصطف مع الجموع الغفيرة من البشر، في طوابير متراصة كالبنيان المكتظ، والمرتص بنعيم الأجساد ورحيم الروائح التي فاحت وعطرت وعبقت الأنوف والأصوات التي شنفت الآذان وأغدقت الأشجان بعبق الصهيل والهديل النسائي والرجالي نصف الخشن·· لا تدري لماذا الناس تشتد فرائصهم وتعتد مشاعرهم بهذه المناسبات فجأة وكأنها مناسبات تأتي من غير ميعاد·· لا تدري لماذا يتوافد البشر من تحت كل جدار وحجر ويملأون المكان بالضجيج والعجيج ولماذا يعودون إلى منازلهم ترى الحياة مغضنة والأفواه ممدودة تأففاً من الضيق والكدر لأن المكان صار ''زحمه''·· وفي اليوم التالي يعودون ويكررون العادة نفسها، ويكرون ويفرون ويهدرون وهكذا الحال·· وأحاديث الناس هي نفسها في كل ساعة ويوم وأسبوع عن العباءة المطرزة والفستان المزركش والمرصع والاكسسوارات الناصعة الساطعة الرائعة·· ويستمر الزحام ومعه الاحتدام في صولة الجائرين على الزمن الحائرين ماذا يشترون وماذا يختارون وماذا يلبسون في عيد العيد·· الفرحة واجبة في مناسبة كهذه ولكن الإفراط في الفرحة، قرحة تدمي قلوب من تعسرت أحواله وابتسرت مآله