قصة الكلمة
ماذا يعترينا عندما ننتهي من قراءة رواية جميلة؟ إننا نتحول من الداخل، نصبح أكثر إشراقاً في أنفسنا، وأكثر قابلية للإشراق على الآخرين. أسمع كثيراً أشخاصاً يقولون، «لماذا نضيع أوقاتنا بقراءة الروايات»، تحدثنا في هذه الفكرة كثيراً، ولكن يبدو أن الإجابة الوحيدة لهذا السؤال، هو في أن نستمر في الإجابة عنه.
الأدب ليس قصة يحكيها كاتب لم يجد شيئاً آخر يفعله في حياته، الأدب قصة الحياة الإنسانية. هل تعرف ماذا يعني أن تتاح لك إمكانية الاطلاع على قصة الحياة الإنسانية، وأنت جالس في مكانك؟ تكون كأنك تراقب الحكاية بمنظار ذي أبعاد خاصة فترى الأحداث وتدخل في أعماق النفوس، تسمع دقات القلوب عند الخوف وعند الفرح، وتسمع وقع خطوات مهاجر يقرع على باب بيت مهجور لينيره بعد غياب، تعيش الحكاية فتشعر بقلبك يتحول لقلوب عدة، ويتقلب فكرك بين عقول كثيرة تتداول الفكرة، وعندما تنتهي من الرحلة، وتغلق الكتاب تكون قد أصبحت بشراً كثيرين في إنسان واحد، تكون قد تقمصت البشرية وصرت شخصاً مختلفاً. وأنت لن تعرف ماذا يعني كل ذلك حتى تمتلك الشجاعة الكافية والصبر النبيل كي تخوص التجربة وتدخل المغامرة وتعتنق قراءة الأدب منهج حياة.
في الأدب خلاصنا جميعاً من السطحية والتسطيح. تهز عائشة سلطان، كاتبتنا التي تقول الأشياء كما نحسها، رأسها في أسف، إذ كيف يهبط مستوى النص إلى ذائقة الجمهور السطحية بدلاً من أن يرتقي بها إليه! في نهج رائج حتى من الكبار بُغية كسب ودّ الأشخاص الذين لا يحبون جدية الطرح ولا يرون في الكتاب أكثر من إكسسوار آخر يوضع على طاولة الزينة.
«أنتِ مشاغبة» يقول لي أحدهم، وأتساءل ماذا فعلت كي يراني كذلك غير أني أحب دوماً أن أنفض السجادة كي أنظفها عوض عن إخفاء الكُناسة تحتها، فتبدو نظيفة في الظاهر فقط. نختلف في الأسلوب والرؤية، ولكن نظل نحاول أن نبقى على قيد الود، فالعلاقة مع الكتابة هي ذات العلاقة مع القراءة، لا تعني الكلمة بحد ذاتها بقدر ما تعني أسلوب التعاطي مع الحياة في مفهومها الأشمل. حين يطرح كثيرون السؤال الدائم لماذا يجب أن نقرأ؟ هم لا يدركون ما ينقصهم، لأن علاقة المحبة التي ينشئها المرء مع الكلمة المكتوبة، هو في الواقع ينشئها مع الحياة، حين يتسع الوعي وتتعمق الرؤية تتلون الحياة، ويصبح للنبض اليومي العادي نغم موسيقي تسمعه الروح، ويعمل الفكر وفق إيقاعه. تقول آسيا موساي، صاحبة منشورات الاختلاف في معرض أبوظبي، «أنا أحب معرض أبوظبي، لأني أحب أبوظبي»، لم يكن كلاماً مجاملاً عابراً، كانت رغبة حقيقة للتعبير عن شعور أصيل بالمحبة، نمّتها آسيا بالكتب الكثيرة التي كنت أشاهدها تقرأها أثناء وجودها في المعرض، وعندما نقرأ كتاباً في بلد، فنحن نولد مجدداً فيه.