التنجيم والدجل
لا أتذكر (من باب اللامبالاة) أنني اهتممت ذات يوم، مهما كان عصيباً أو سعيداً، بقراءة الطوالع والأبراج على كثرة الضجّة المثارة حول هذا الموضوع، اعتقاداً ومأخذاً جدياً أو تسلية وتمضية وقت.. حتى أنني لا أعرف اسم برجي المرتبط بالولادة والمسار والمصير وهي الكلمات الأكثر خطورة في حياة الكائن.
إذا كان هذا الموضوع أو “العلم الكاذب” حسب الموسوعة البريطانيّة الذي يتنافى مع حقائق المعرفة العلميّة التي أنتجتها نخبة بشريّة عبر تاريخ طويل من الشقاء والتفكير والمعاناة المضنية، إذا كان له من اعتبار بسيط في الماضي، فقد انحدر في البرهة الحاليّة إلى ما يشبه الغوغائيّة والتجارة الرخيصة والدجل الذي يضرب على الأوتار الحساسة لعواطف الناس وتطلعاتهم ومعاناتهم.
وحسب الفلكي المختص الدكتور علي الأمير، فإن علم الدجل هذا اتخذ منحىً خطيراً في الكذب والشعوذة المنتشرة على صفحات المجلات والصحف والتلفزيونات على امتداد الساحة العربيّة، في حين أن بعض المجلات النسائيّة الشهيرة تعرِّف محررها الفلكي بأنه رئيس الاتحاد العالمي للفلكييّن.
ويشير الدكتور الأمير، إلى أنه لا علاقة بين هذا (المنجم) وحتى (بوّاب) الاتحاد العالمي للفلكيين. فهذا الخلط بين علم الفلك والتنجيم ظاهرة قديمة وأحد المفاهيم المتوارثة، ولكن المفارقة أن هذا الخلط الذي يميل باتجاه الكذب التنجيمي، يتركز وينتشر أكثر في عصر يحتل فيه العلم والفكر العقلاني المساحة الأكبر على حساب الخرافة والشعوذة. وحتى في حال الرجوع إلى النص الديني لا نجد إلا ما يدحض هذا الدجل وعناصره. فالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول: “المنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر”.. ونصوص أخرى كثيرة منها حين ربط الناس بين كسوف الشمس ووفاة إبراهيم بن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ووقف الرسول وقفته المعروفة: “إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته إنهما آيتان من آيات الله”.
النص الديني الحقيقي يتفق في هذا المنحى مع جوهر الحقائق العلميّة في دحض هذه التوهّمات الدجليّة التي هي ليست إلا مصائد لاستغلال الناس والشعوب المنهكة بأعبائها الحياتيّة والاقتصاديّة وتدمير وعيها الذي يتطلع الى حياة أفضل.
ويفنّد الدكتور الأمير في كتابه الهام (الكون العميق) ادعاءات المنجميّن حول تأثير الأجرام والكواكب السيّارة على حياة الناس وهي كلمة حق يراد بها باطل.. وبأن تلك الظواهر والتأثيرات لا تحدث على هذا النحو من الادعاء الساذج والجاهل، وإنما عبر قوانين كونيّة دقيقة ومحكمة تحافظ على النظام بين تلك الأجرام أثناء حركتها، وهي مسائل علميّة شديدة الاختصاص والتعقيد لا قبل للمشعوذين حتى بالحد الأدنى لفهمها.
النقاش العلمي المسؤول يطول حول هذه المسألة المتشعبّة، وحلبات الدجل والاستغلال البراقة عبر وسائل (الميديا) تتسع وتتعاظم، على حساب المعرفة الحقَة بكل تشعباتها وتجلياتها.
المأساة هنا ليس في التسلية المشروعة، وإنما في الاعتقاد الجازم بصدقيّة هذا “العلم” وربما بقدسيّته!