الأدب والآداب
تتداخل مجموعة كبيرة من أساليب الكتابة وأنواعها في حقل واسع هو الأدب الذي يجب أن نفرق بينه وبين (الآداب)، وهو مصطلح مطاط وعام يقود إلى متاهة مفتوحة بحيث لا يمكن تأطيره أو التعرف إلى حدوده واستخداماته. وكثيرون اليوم يخلطون ما بين الأدب باعتباره دلالة تشير إلى الإبداع الأدبي وأنواعه المعروفة مثل الشعر والقصة والرواية والنقد والنثر، وبين الآداب التي تتسع لتشمل حقولاً كثيرة مثل دراسات اللغة العربية والرسائل والخطب والمذكرات والتاريخ والتراجم والجغرافيا وغيرها.
هذا الخلط بين (الأدب) و(الآداب) أدى إلى تداخل الكثير من المفاهيم والمياه الدخيلة إلى بحر الأدب، فصار أساتذة اللغة العربية حراساً على الشعر، وخريجو التاريخ حماة للحقيقة.. وبالتدريج اختلطت المفاهيم وكثر خريجو (كليات الآداب) الذين لا تربطهم بالأدب أية رابطة. وصار القاصي والداني يملك حق الإفتاء في الأدب. ولتصحيح هذا المسار ينبغي للجامعات العربية أن تعيد تسمية كلياتها لتصبح (كلية الأدب العربي) بدلا من ضمها تحت لواء الآداب.
كذلك يحمل مصطلح (الآداب) الكثير من الاحتمالات والتأويلات والاستخدامات الغريبة، فلدينا مثلاً مصطلح (الآداب العامة) لكن لا أحد يستطيع أن يفصل بالضبط ماهي هذه الآداب التي عادة ما تترك لتقديرات السلطة والقضاء، وفي بعض البلدان قد يقود هذا المصطلح الفضفاض إلى اختلاق الأسباب والتهم بمخالفة القانون، من غير أن تكون هذه القوانين واضحة أو مكتوبة ولكن يتم الاكتفاء بالإشارة إليها بكلمة (الآداب العامة).
في السياق التاريخي مرت كلمة (الأدب) بمراحل تطور كثيرة فكانت في البداية تشير إلى التهذيب ثم التعليم إلى أن تم تخصيصها للدلالة على فنون الكتابة، وعرفها ابن خلدون بالقول: (الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارهم والأخذ من كل علم بطرف). ثم تطور ليشمل جميع أنواع الكتابة الإبداعية وبالتالي انفصل عن مفهوم (الآداب) القديم الذي يعني الالتزام بالأخلاق الحسنة.
عندما تختلط المفاهيم وتتداخل المصطلحات يصبح الفكر عكراً وتتلطخ مياهه بالوحل ولا تعود المجتمعات قادرة على الرؤية بوضوح حتى في عز الظهيرة. ومثل الأدب والآداب هناك الآلاف من المصطلحات العلمية والفلسفية والفنية التي لا نزال نختلف في تأويلها، ولا تزال مجمعات اللغة العربية غير قادرة على الاجتماع وعلى توحيد مدلولات الكلمات بما يجعلنا عرضة للتضاد والابتعاد عن الحقيقة. ولا أحد يعرف على من تقع مسؤولية هذا الضياع الفكري، بينما الآخرون يبدعون اليوم الكلمات والمفاهيم والمصطلحات ويطلقون الأسماء الجديدة على جميع الآثار والاكتشافات في البر والبحر والفضاء حتى في بلداننا، ونحن لا نفرق بين اسم وآخر إلا بالكاد.
الوصول إلى المعاني الحقيقية للأشياء معناه أن تكتبها، وإذا خانك المصطلح يصبح الكلام مجرد محاولة للتقريب، ليس رصداً ولا اكتشافاً ولا معرفة.
akhozam@yahoo.com