تستوقفني أحياناً الصفة ''أدب'' التي تطلق على أنواع الكتابة الإبداعية مثل الشعر والرواية والنقد· كما الصفة ''أدباء'' التي تطلق على من يمارس هذا النوع من الكتابة· وأتساءل عن سبب ومصدر هذه الصفة والتسمية، فلا أجد ما يجيبني على هذا التساؤل· فالصفة ''أدب'' تحيل إلى مدلول (اجتماعي، أخلاقي)، فالمؤدب صفة تطلق على شخص منضبط بالسلوك الاجتماعي العام، الذي لا يختلف ولا يتلفظ بكلام نابٍ ولا يخدش الحياء، ملتزم بالمجاملة الاجتماعية· كما تطلق على الشخص الحيي الخجول، الذي لا يعارض ولا ينقض ولا يرفع صوته على جليسه، ولا يسخر من الآخر ولا···الخ مما نعرف وما اصطلح عليه الناس· وتعتبر الصفة ''مؤدّب'' إحدى أعمدة التربية في طفولة الإنسان يكتسبها بالقدوة أو بالقسر· وإذا ما عدنا إلى المعاجم العربية وتاريخ تحولات هذه الصفة عبر عصور مختلفة فسنجد أن دلالتها في الجاهلية تختلف قليلاً عن دلالتها في العصور اللاحقة· فلم تكن كلمة ''أدب'' تحمل معنىً واضحاً في الجاهلية، بل كانت تنحصر في مدلول حسي كالدعوة إلى مأدبة أو وليمة؛ وليس ثمة دلالة أخرى لها كما تذكر المعاجم، رغم أن الإبداع الأدبي في الجاهلية كان- ولا يزال- مرجعاً هاماً للبلاغة العربية والإبداع الشعري! أما بعد ظهور الإسلام وفي عهد النبوة، فقد أخذت كلمة أدب معنىً تربوياً تهذيبياً يشير إلى الأخلاق الحميدة· وفي العصر الأموي سمي المعلم الذي يختاره الخلفاء والأمراء لتعليم أبنائهم وتهذيبهم بالمؤدِّب· وقد وصف الجاحظ الأدب بأنه (الأخذ من كل علم بطرف)، وفي لسان العرب لابن منظور وتاج العروس للزبيدي، الأدب هو: الخلق يتصف به فرد من الناس، ويؤدب به الآخرين إلى المحامد والمكارم وينهاهم عن المقابح· وقيل إن أصل الأدب الدعاء، وقيل أيضاً: إن الأدب ملكة تعصم من قام به عما يشينه!، وفي القاموس المحيط: الأدب: الظَّرف وحسن التناول، وفي المصباح المنير: أدبته أدباً: علمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق وأدبته تأديباً مبالغة وتكثير· أما تعريف الأدب اصطلاحاً، فذكروا أنه ''فنّ من الفنون الإنسانية الرفيعة، يحقّق هدفه بوساطة العبارة التي تثير فينا صياغتها انفعالات عاطفية أو إحساسات جمالية· وعدّه بعضهم ''مؤسسة اجتماعية، أداته اللغة، مع شرط مراعاة مطابقة التعبير وحسن اختيار اللفظ وتناغم الحروف، وتناسق الجمل، وتلاؤم الكلمات مع الموضوع، والعناية بالصور، واستخدام الخيال واستغلال كلّ إمكانيات اللغة الصوتية والتصويرية والإيحائية والدالة في أن ينقل إلى المتلقي خبرة جديدة منفعلة بالحياة· هذا يسير من كثير قيل في تعريف الأدب والأديب، وهو تعريف جميل، وإن أحاطته بعض الشروط· لكن هذا التعريف سيلتبس فهمه في الزمن الراهن، وينتصب السؤال: هل بقي الأدب تأديباً والأدباء مؤدِّبين، أم أصبح تمرداً والأدباء مؤدَّبين