صرعة جديدة من الصرعات الفضائية، وفي هذه المرة تخوض إحدى الفضائيات المحلية في تفسير الأحلام وتأويل ما لا يؤول، وتحويل ما هو واقع الى خراف غيبي كهنوتي عجيب وغريب ومريب وبلا حسيب أو رقيب، يقوم أحد الجهابذة الأفذاذ وعمالقة الدجل بالتربع على عرش الأحكام المطلقة في تفسير أحلام السذج ومنحهم صكوك الغفران والوعد بالجنان والأيام القادمة الخضراء اليانعة المترعة بالبخور والعطور والواقع الحبور· شخص يرتدي البذلة المعاصرة، يتحدث بلغة مغلفة محكمة الإغلاق، وينطلق بقناعات وبدهيات وأولويات ما أنزل الله بها من سلطان، ويتعهد للذين يفسر أحلامهم، بل كل الأحلام على أنها تبشر بالخير الجزيل والعمر الطويل، والأفق الأسيل، ولا سبيل أمام هؤلاء إلا أن يشكروا صاحب الحكم المطلق والدعاء له لأنه فتح لهم الطريق الأنيق الرشيق، ومنحهم رؤية ما كانت لتكون سهلة طيعة ، لولا فطنة هذا الجهبذ وحنكته ولباقته ولياقته ورشاقته وأناقته في اختيار الألفاظ المدعجة والعبارات المبهجة· هذه الصرعات تقلدها رجل ما انفك في استخدام التلاوات والتراتيل والأحاديث النبوية والآيات القرآنية مستعيناً بقدرته على التحايل والتمايل والتخاتل ليضحك على ذقون البشر وليؤكد لهم أنه مبعوث العناية الإلهية، المتبصر في علوم الدين والدنيا، المتبحر في فلسفة النفس وعلومها التي يعجز عن الوصول إليها أعتى علماء النفس الذين أخذوا العلم من أصوله وتناولوه من شتى فصوله· هذا الرجل يدعي أنه يستطيع أن يفسر الأحلام وأن يبصر السائلين عن مستقبلهم وأيامهم المقبلة لمجرد سماعه عن حلم قاله له أحد الأبرياء الذين يعانون من تراكماتهم النفسية والاجتماعية، هذا الرجل استطاع وبقدرة قادر أن يخلط بين الحلم والرؤيا ولم يميز بين الحالتين، وفي العلم شتان ما بين الأولى والثانية، والناس ينهالون بالمكالمات مستفسرين متسائلين عن أحلام راودتهم في ليلة بائسة، مفتشين عن خيط في ثقب إبرة يقودهم الى نافذة تعينهم على الحال والمآل· هذا الرجل العالم، العليم، الكليم لا تعجزه عقدة ولا تقعده معضلة، بل هو وعلى الهواء مباشرة حل مشاكل العالم بعبارة أو جملة واحدة وانتهت الأمور لديه كسحابة صيف، كما انتهت الأمور لدى المشاهدين السائلين في غمضة عين بعد أن استراحت نفوسهم وانشرحت صدورهم كونهم عثروا على عقدة الحل· هذا الرجل يبدو أنه يعيش خارج الزمن ومن وراء التاريخ وعلى حافة الجغرافيا، يبدو أنه رجل لا يعترف بالعلم ولا بأصوله، كونه تجهز بجهاز شعوذي خرافي غبي، فراح يعبث ويعبث بمشاعر خلق الله ليطلعهم على غيب الآتي، ويؤكد لهم وبكل ثقة واتزان أن الأحلام تعبر عما يخبئه المستقبل وان الأحلام هي علامة لأسرار مقبلة ممتطية حصاناً أبيض وشالاً واسعاً يسيح على الأرض يشق الطريق باتجاه بحر عميق أزرق· هذا الرجل الخرافي المعجزة الخارق بشيء من المصطلحات العبثية فسر وبصر ودبر وتدبر وحرر النفوس من كل الأمراض والعلل، وليته فعل ذلك قبل قرن من الزمان لاستراح الناس من جهود فرويد المضنية وعلومه وتحليلاته المعقدة·· أقول ليته جاء في ذلك الزمن·· لكان العالم استراح فأراح·