كَان جُذَيمَة الأَبْرَش ملِك الحيرَة قَد جَمَع غِلْمَانَا من أَبْنَاء المُلُوك يَخْدِمُوْنَه، مِنْهُم عَدِي بْن نَصْر بْن رَبِيْعَة الْلَّخْمِي، وَكَان له حظ مِن الجمال، فقَالَت لَه رَقَاش أُخْت جَذِيْمَة: إِذَا سقيت جَذِيْمَة الملِك فسكر فاخطِبنِي إِليه، فسقى عَدِي جَذِيْمَة لَيْلَة، وَألْطف بِه فِي الْخِدْمَة، وَلَمَّا أَسْرَعَت الخمْر فِيْه قَال: سَلْنِي مَا أَحْبَبْت، فَقَال: أَسْأَلُك أَن تُزَوِّجَنِي رَقَاش أُخْتُك قَال: مَا بِهَا عَنْك رَغْبَة، قَد فعَلْت! فَدَخَل بِهَا، وَأَصْبَح فِي ثِيَاب جُدُد وَطِيْب، فَلَمَّا رَآه جُذيمة قَال: يَا عَدِي: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟ قَال: زَوَجَتَنِي أُخْتُك رَقَاش الْبَارِحَة: قَال: مَا فَعَلَتَها! ثُم وَضَع يَدَه فِي الْتُّرَاب، وَجَعَل يَضْرِب وَجْهَه وَرَأْسَه، وَأَقْبَل عَلَى رَقَاش فَقَال: حَدِّثِيْنــِي وَأَنْـت غَـيْر كــَذُوْب أَبحُــــرٍّ زَنَيْـــتِ أَم بْهِجَــينِ أَم بِعَبْــد وَأَنْــت أَهْــل لِعَبــْد أَم بـُدُون وَأَنْــت أَهْل لِدُوْنِ فَأَجَابَتْه رَقَاش: أَنْت زَوَّجْتَنِي وَمَا كُنْــت أَدْرِي وَأَتَانِي الْنِّسَـــــاء لِلْتَّزْيِـــينِ ذَاك مِن شِرْبِك الْمُدَامَة صِرْفَا وَتَمَادَيْك فِي الصبَا وَالْمجُونِ فَأَطْرَق جذِيْمَة، فَلَمَّا رَآَه عَدِي قَد فَعَل ذَلك، خَافَه عَلَى نَفْسِه فَهَرَب مِنْه ولحق بِقَوْمِه وَبِلادِه. فَمَات هُنَاك. ثُم وَلَدَت رَقَاش غُلاما، فَسَمَّاه جَذِيْمَة عمراً وَتَبَنَّاه، وَأَحَبَّه حُبّا شَدِيدا وَكَان جذِيْمَة لا يُوْلَد لَه. فَلَمَّا بَلَغ الْغُلام ثَمَانِي سِنين كَان يَخْرُج فِي عِدَّة مِن خَدَم الْمَلِك يَجْتَنُون لَه الْكَمْأَة، فَكَانُوْا إِذَا وَجَدُوْا كَمْأَة خِيَارَا أَكَلُوْهَا وَرَاحُوْا بِالْبَاقِي إِلَى الْمَلِك وَكَان عَمْرُو لا يَأْكُل مِمَّا يَجْنِي، وَيَأْتِي بِه جَذِيْمَة فَيَضَعُه بَيْن يَدَيْه، وَيَقُوْل: هَــــذَا جَنَــاي وَخِيَــارُه فِيْــه إِذ كُل جــــَان يَـدَه إِلَى فِيْه ثُم إِنَّه خَرَج يَوْمَا وَعَلَيْه ثِيَاب وَحَلِي، فَاسْتُطِيْر وَفَقَد زَمَانا، وَضُرِب فِي الآَفَاق فَلَم يُوْجَد، وَأَتَى عَلَى ذَلِك مَا شَاء الْلَّه. ثُم وَجَدَه مَالِك وَعَقِيْل ابْنَا فارِج، وَهُمَا رَجُلان كَانَا مُتَوَجِّهِيْن إِلَى الْمَلِك بِهَدَايَا وَتُحَف، فَبَيْنَمَا هُمَا بِوَاد فِي الْسَّمَاوَة انْتَهَى إِلَيْهِمَا عَمْرِو بْن عَدِي، وَقَد عِفْت أَظْفَارِه وَشَعْرُه، فَقَال لَه: مَن أَنْت؟ قَال: ابْن الْتَّنُوْخِيَّة، فلَهيَا عَنْه، وَقَالا لَجَارِيَة مَعَهُما: أَطْعِمِينَا فَأَطْعِمُتِهُما، فَأَشَار عَمْرَو إِلَى الْجَارِيَة أَن أَطْعِمِينِي فَأَطْعَمَتْه، ثُم سَقَتْهُمُا، فَقَال عَمْرُو: اسْقِيْنِي فَقَالَت الْجَارِيَة: «لا تُطْعِم الْعَبْد الْكَرَاع فَيَطْمَع فِي الْذِّرَاع». ثُم إِنَّهُمَا حَمَلاه إِلَى جذِيْمَة فَعَرَّفَه، وَنَظَر إِلَى فَتَى مَا شَاء مِن فَتَى! فَضَمَّه وَقَبَّلَه وَقَال لَهُمَا: حكّمتُكما، فَسَأَلاه مُنَادَمَتَه، فَلَمَّا يَزَالا نديميه حَتَّى فَرَّق الْمَوْت بَيْنَهُم، وَبَعَث عَمْرَا إِلَى أُمِّه، فَأَدْخَلْتُه الْحَمَّام، وَأَلْبَسَتْه ثِيَابَه، وَطَوَّقَتْه طَوْقَاً كَان لَه مِن ذَهَب، فَلَمَّا رَآه جَذِيْمَة قَال: «كَبُر عَمْرُو عَن الْطَّوْق» وَذَهَبَت مَثَلا يُضْرَب للابس مَا هُو دونه.