في السنوات العشر الأخيرة ازداد عدد الأسر المواطنة التي يعمل فيها كلا الوالدين، وترافق مع ذلك زيادة في الدخل وتوسع في الأسلوب المعيشي، وقبل عامين تحديداً ازدادت ساعات العمل لتصل إلى ثماني ساعات يومياً، ما جعل تأثير الغياب الطويل يتطلب عمالة أكثر لسد فراغ الوالدين في المنزل، من خدم أو مربيات أو سائق لتوصيل الصغار. منذ صدر القرار بزيادة ساعات العمل لم تجر أي دراسة فعلية على نتائج هذا التغيير في نمط حياة الأسرة الإماراتية، وما لا يعلمه الكثيرون، أن الغياب عن الأسرة والأطفال لم يعد يقتصر على ثماني ساعات عمل يومية بل يحتاج المرء (خاصة لو كان من سكان الضواحي) إلى ما معدله ساعة ونصف إضافية للطريق، أضف الى ذلك نصف ساعة (للرجال) وساعة ونصف (للنساء) للتجهز إلى الذهاب أو الاغتسال بعد العودة من العمل، الأمر الذي يجعل مسمى العمل يتغير على ألسنة الإماراتيين إلى «كراف» ! ساعات غياب تصل في النهاية إلى قرابة نصف اليوم بأكمله، يختفي فيها الأب عن الأطفال، وتغيب فيها الأم عن وجودها مع الأسرة، ولو كان الصغار في سن المدرسة فيعني هذا أنهم يجلسون لوحدهم في المنزل حوالي ست ساعات في انتظار عودة الوالدين أو أحدهما إلى البيت. عندما تعيش أسرة ما مثل هذا الوضع الذي يغيب فيه فرد مؤثر عنها لساعات طويلة يصبح السؤال عن الروابط الأسرية مشروعاً قائماً، كيف يمكن أن تتواصل هذه الأسرة نفسياً؟ وهل تستطيع الأم في الدقائق التي تحادث فيها صغارها هاتفياً أو عبر اللحظات المسروقة قبيل نومهم أن تصنع في قلوبهم ما يكفي من التفاؤل والتلاحم وأن تصيغ في نفوسهم القيم الإنسانية المطلوبة منها كأم وربة أسرة؟. ساعات العمل الطويلة ليست مجرد إنهاك لأجساد الموظفين، ولم تعد سبباً مباشراً للأمراض القلبية والسمنة فقط، لكنها أيضاً مؤثر قوي وحاسم على العلاقة الإنسانية بين أفراد الأسرة، وبسبب غياب الوالدين لفترات طويلة تعرقل ساعات عملهم هذه صياغة الأفكار الإيجابية في عقول الصغار، وتمنع تلاحمهم النفسي فهم عادة لا يجتمعون إلا على وجبة واحدة (إن فعلوا) ولا تملك الأم وقتاً لتراجع لهم دروسهم إلا (على الطاير) ولا تعرف قصصهم المدرسية ولا هوايتهم المحببة، وعليها أن تنتظر إلى الإجازة لتكتشف كم كبروا الصغار وهي على كرسي الوظيفة تطبع التقارير! تضطر الأمهات اللواتي يمتلكن حس المسؤولية تجاه صغارهن إلى الاستقالة والجلوس في المنزل وترك الرجل يتحمل العبء المادي للأسرة، وكذلك التنازل عن درجة معينة في المستوى المعيشي في سبيل الاهتمام بالأطفال وتربيتهم. الاستقالات الفردية وإن كثرت ليست الحل، فتوقف فرد إماراتي عن دفع عجلة التنمية يعني بالمقابل خسارة جهد مطلوب، ولكن الحل الأمثل إجراء دراسة شفافة واضحة عن تأثير ساعات العمل الطويلة على الأسرة الإماراتية، واتخاذ قرارات تخدم الأسرة بناء عليها، فالهدف الأسمى الذي ينادي به قادة الوطن هو إيجاد مجتمع متآلف، والإبقاء على أسرة إماراتية متلاحمة متواصلة، والقرار العام بإعادة النظر في ساعات العمل سيمثل خطوة رائدة في إعادة التماسك للأسرة الإماراتية. فتحية البلوشي