من مرحلة إلى مرحلة، ونحن نقول متى تنتهي هذه المهزلة، فالتطاول على القيم الإنسانية لامس شغاف الحقيقة، وأجهض المعنى في الحياة، وصارت الدروب مسكونة بالليالي المدلهمات الحالكات، ولم يعد العالم يفكر إلا كيف ينجلي هذا الليل وترتاح الإنسانية من الويل وقتامة الطريق واحتدام الحريق· مرحلة صار فيها الجهل مفتاح المسألة، والتخلف وعوداً لأيام مقبلة، ولا حلحلة، بل هي الزلزلة التي تستوطن الأرض وتحتل النفوس وتحتكر الرؤوس، حين ظن البعض من هذه الأمة أن بالفؤوس والتروس تزدهر الدنيا، ويخضر عُشب الأرض بما تشربه حبات التراب من دماء مهدرة وأجساد مبعثرة، وأفكار متعثرة، وقيم منكسرة، وشيم متهورة، وفوضى غامرة، عامرة، متذمرة، متضورة تحصد وتفسد، ولا تقصد إلا إشاعة الرعب، واشتداد الخطب، وبث الكرب، وتفتح الطريق لجدب، ويباب وخراب، واضطراب، وعذاب، واستلاب· مرحلة الشعوذة المستدامة تعشعش في الرؤوس بلا قوامة، ولا استقامة، والناس مدهوشون، مذهولون، مصدومون، لماذا كل هذا الحقد والنكد، والكمد، والشر المستبد، والفكر المحتد، لماذا يتصور الحمقى أن ممالكهم لا تقوم إلا بسفك الدماء والإدعاء والافتراء، وإقصاء كل ما هو جميل، في هذه الحياة، والإصرار بحزم وجزم على التمسك بنشارة قميئة، رديئة، والاعتقاد أنها خاتم سليمان، الذي سيجلب الخير ويقود إلى جنة الخلد، يتساءل الناس الأبرياء لماذا كل هذه الشراهة، والبلاهة، والسفاهة في التعاطي مع القيم الإنسانية الرفيعة، لماذا هذه الهستيريا، والكوميديا السوداء، العجفاء، الجرداء، من أي إشراقة ولباقة، ولماذا يحاول هؤلاء جر العربة إلى الخلف، والسير قدماً باتجاه التلف، والحيف والزيف، واستنزاف قدرات البشرية من أجل تحقيق أهداف معتلة، مختلة، منحلة ليست هي إلا الزبد المستمد من فقاعات تطفو هنا وتنطفئ هناك· يتساءل الناس: لماذا يحاول البلهاء تصوير الحياة على أنها صراع أبدي لا نهاية له، في حين أن إسلامنا الحنيف دعا إلى السلام، والوئام، والانسجام، ومخاطبة الناس بالحسنى، والكلمة الطيبة· يتساءل الناس: أين مشاعر الحب التي أوصى بها الدين ليجمع الناس على خير ومودة، وهذا الإسلام الذي وضع الإنسان في مرتبة تجاوزت كل المخلوقات، فسجدت له الملائكة·· لماذا يأخذ هؤلاء خط الشيطان، وينتمون للنيران حين ينكرون هذا الاحترام لكائن أجله الله وقدره، ورفعه، ومتعه بقيمة العقل· يتساءل الناس: لماذا يمعن هؤلاء في صناعة القبور، والله أمر الإنسان بأن يشيد ويُعمر المرابع والقصور؟ لماذا يصعب على هؤلاء حب الحياة، ولا يستسهلون إلا تكفير الناس، وبخس حقهم في التفكير والاختلاف، والله أمرنا أن نفكر ونتدبر ونستفيد من العبر ''وفي أنفسكم أفلا تبصرون''·