الجدار في الحقيقة مادة تمنع المواد الأخرى من اختراقها، وقد تمنع البعد البصري من اختراقها أيضاً· لكن الفن ينظر إلى الجدار على أنه بوابة تسمح لنا بالسفر عبر الزمن إلى أفق وفضاء آخر، فالزمن والفضاء مرتبطان فيما بينهما لا يمكن فصلهما، وهذا التصور قد أدلى به أستاذ آينشتاين- ويدعى هيرمان منكوفسكي، وقد أجرى هو الآخر تعديلاً جوهرياً في صياغة النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، ومن طرائف الأمور -كما تروي كتب العلم- أن علاقة منكوفسكي بآينشتاين لم تكن جيدة، إذ لم يستوعب هذا المدرس اتجاه آينشتاين الفكري، بل وصفه بالكلب الكسلان· ولآينشتاين قول مأثور في هذا الصدد وهو: ''لو أنه اختفت من الكون المادة (الطاقة) لاختفى معها الزمان والفضاء''· إذن لم يرتبط الزمن بالفضاء فقط بل إن للمادة وجوداً أساسياً في الكون· الجدار عبارة عن مادة تتكون من مجموعة جزيئات متراصة ومتقاربة حيث تكون حركتها اهتزازية في موقعها الأصلي، ولكن هناك فجوات بين هذه الجزيئات قد تمكننا من اختراقها وذلك فقط إذا استطعنا الموازنة بين فجوات أجسادنا وتلك الفجوات الموجودة في الجدار· لكن الفن لا يحلم بتلك المعجزة لأنه أمسك بالفرشاة والمطرقة وأخذ ينقش وينقر على الجدار بوابة الزمن، بذلك وجه بصيرة المشاهد إلى زوايا الغرفة الأربع وليس زاوية النظر فقط، والأجمل عندما يكون الجدار من الزجاج فيمتزج الفن بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي· بوابة الفن المعاصر مكتوب عليها ممنوع دخول بصيرة المشاهد البعيدة عن الأحداث السياسية، الاقتصادية والاجتماعية· جدار أنس الشيخ، جدار حسن شريف ومحمد كاظم وجدار عبدالناصر غارم مكتوب عليها ممنوع دخول من لا يتقن توظيف التقنيات الحديثة في المنتج الفني· لأن من الطبيعي أن تكون الفكرة نابعة من البيئة المحلية للفنان، بينما الإخراج يحتاج إلى لغة تواصل مع تطور وسيطرة التكنولوجيا على العقول البشرية مثل لغة الفيديو والملصقات الإعلامية ولغة الخداع البصري· فالوسط الثقافي العربي لا يلمس جدار الدادائية (الفن ضد الفن) ولا يلجأ إلى استخدام الجسد العاري للتعبير عن قضاياه الداخلية والخارجية، بل يلمس جدار الفن النقي الصافي عبر التقاط مشاهد واقعية تتحدث عن ذاتها بشكل واضح، مما يصدم مخيلة المشاهد ويضع البصيرة في مأزق فهذا المشاهد تجده متكوراً حول محوره الذاتي البعيد عن الآخر والقريب جداً من الأنانية المفرطة في السلوك والتفكير· فإذا أردنا التواصل مع الفن العالمي والمحلي علينا أولاً أن نتواصل مع ذواتنا المغتربة بصورة منفصلة عن التمركز حول محور واحد، بل نسمح للأجساد المختلفة بالدوران حول محور دوراننا، ونحن كذلك ندور حول محاور تلك الأجساد البشرية المختلفة· Science_79@yahoo.com