هل يمكن أن ينهزم الإنسان من رجولته؟ أو يخاف منها، ومن ثقل أمانتها، وما تعني هذه الرجولة من مواقف غالية في الحياة، فيبدأ في التخلي عن معانيها النبيلة، وقيمها الأخلاقية التي تعني الشرف والمسؤولية والالتزام والصدق والأمانة والكرم، وحين تجتمع تلك المعاني في شخص ما، لا يمكن أن نجد له وصفاً غير أنه رجل، ورجل قلما تنجب النساء مثله، هو فريد عصره، ودرّة مِصره. تلك هي الرجولة التي نعنيها، ومن لا يتحمل ثقلها، ووزر حملها ينهزم منها، ولا نعني تلك المفردة الاجتماعية الرخوة التي يعتقد الكثير من الناس وهماً وخطأ وجهلاً أنها السلطة والتسلط والفحولة والصوت العالي والغضب والعناد والكذب والحيلة، والتي يمارسها الكثير على أنها هي الرجولة، ولكنها في حقيقة الأمر هي “رجولة كاذبة”، وجميع ممارساتها توجه عادة للإنسان الأضعف، وللذين يعتقد صاحب “الرجولة الكاذبة” أنهم أقل منه شأناً ومكانة، خاصة المرأة التي كثيراً ما تمارس تجاهها “الفحولة الكاذبة”، وتنتقص من حقوقها، وتقلل من واجباتها، ولا تنصفها مثل “الرجولة الصادقة” التي تعرف قيمتها، وتقدر شأنها، وتعلو من مكانتها. لذا كثيراً ما يساء للرجولة الصادقة بأفعال ممن هم ينتمون للرجولة الكاذبة أو المنهزمون من رجولتهم، فهم وحدهم ممن يخافون من النساء أولاً، وعلى النساء ثانياً، فيسعون لوأدهن، والحجر عليهن، وعدم الثقة فيهن، ومعاملتهن على أنهن تجسيد للجنس والفحشاء معاً، بجعل المرأة كلها عورة، هؤلاء المنهزمون من رجولتهم وحدهم من يمكنهم أن يلونوا الكذب، ووحدهم من يعطون للخيانة معنى مقدساً في الحياة، ووحدهم من يجيزون السرقة بقفاز لكي لا تقطع يد السارق منهم. المنهزم من الرجولة إن ولى مدبراً يوم لقاء، فهناك ألف سبب في نفسه يبيح له قطع الأسلاك، والتستر خلف الجدران، والفرار بقوائمه الأربع إن أمكن، وإن أحَجَمّ ولم يُقدمّ ساعة الشدة، فهناك في النفس من المبررات والمسوغات ما تجعله قادراً على العيش، ولو في ذل، وإن تولى أمانة، خانها لعدم القيام بها على أكمل وجه، وسولت له نفسه بضعفها أن ينال ما ليس له به حق. المنهزمون من الرجولة لا تظهر “رجولتهم” إلا على ضعيف يشكو وجعه أو امرأة مهيضة الجناح أو محتاج يستغلون شدة حاجته، يظهرون في أوقات المحن متقنعين بلباس التقوى، وهم أمضى من الحديد في اللحم الآدمي، يظهرون حيثما يكثر الفساد، ولا يتوانون أن يزينوا الجحيم للعباد. ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com