تقول جاي· كاي· رولينغ مؤلفة سلسلة روايات ''هاري بوتر'' فيما يشبه الاعتراف إنها فكرت مرة في الانتحار· لم ''تزيّن'' المؤلفة الأكثر شهرة، والأكثر ثراء في العالم، فكرتها عن الانتحار، ولم تقدمها في سياقات ''إبداعية''· فقد طرأت فكرة الانتحار عليها بكل بساطة، عندما شعرت بأنها زوجة مهجورة عليها أن تواجه مصيرها مع ابنتها الوليدة· وبالتالي فإن هذا الاعتراف، لن يحسب لها أو عليها، بالنظر إلى الدوافع أولا، وإلى كون الفكرة، ثانيا، عبرت في لحظة ضعف إنساني مفهومة· تتداعى من اعتراف رولينغ المتأخر، حالات انتحار متحققة أقدم عليها مؤلفون ومبدعون كثر، كموقف يائس أو صارخ· معروف أن الانتحار، فعل مدان دينيا، لكنه عندما يمارسه المبدعون يصبح تعبيرا شاعريا، ويتساوى مع عملية الإبداع نفسها· هكذا تمت قراءة كل أفعال انتحار الأدباء التي حصلت في كل مراحل التاريخ، وفي كل الحضارات والثقافات· لم تخرج مقالة واحدة، تدين المنتحر، وتصفه باليائس، أو الجبان، حتى لا نقول الكافر· اليابانيون هم أكثر شعوب الأرض تمجيدا لفكرة الموت· والانتحار على وجه التحديد، تراث لديهم رسخته فلسفة الساموراي· وقد جسد يوكو ميشيما، الروائي الغزير وصاحب الأفكار الجذرية، هذا التراث بمشهد احتفالي باهر عام 1970 (يظهر ميشيما، على شرفة المقر الإقليمي للقوات البرية نصف عار، معصوب الرأس بالوشاح التقليدي، شاهراً سيف (كندو) مصوباً نحو بطنه النصل الذي سيخرقها)· وبعده سيكون أيضا، الياباني الأشهر الحائز على جائزة نوبل عام ،1968 ياسوناري كاواباتا، على موعد مع الانتحار عام ·1972 قبلهما، صوب أرنست همنجواي بندقية صيد إلى صدغه، واضعا نقطة ختام غير مفهومة لحياة حافلة· وبعدهما، سيعيد المشهد نفسه اللبناني خليل حاوي، في موقف تداخل صخبه مع الانهيارات الكارثية التي أحدثها الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف ·1982 هل كان موت هؤلاء، وهم قلة من سلسلة طويلة، جريئا، شاعريا، ابداعيا، كما يفسر المفسرون؟ وهل تنفع مقاييس الشجاعة والجبن في تفسير انتحار الأدباء والشعراء؟ هي أسئلة تثير الخيال، دون أن تحرض على اكتناه الحقيقة، ففكرة الموت عند الشعراء والروائيين غالبا ما تتجاوز المعطى الإنساني والمعنى الديني، وهي لا تشبه أيضا المحددات النقدية التي تتحدث عن نظرية ''موت المؤلف'' بحسب ما جاءت به البنيوية اعتمادا على دراسات سوسير اللغوية باعتبار النص كيانا قائما بذاته معزولا عن مؤلفه· عندما يموت المبدع منتحرا، يصبح هو النص، أو هكذا يريد أن يقول، وكأنه بذلك يتولى قتل إحدى شخصياته النصية في مشهد يصنع مقدماته وتداعياته ونتائجه··· بقلمه· لكن، لو كان هذا التفسير حقيقيا، ومبررا، فكم من الجنائز سنسير في تشييعها كل يوم؟ عـادل علـي adelk85@hotmail.com