توحيد الفنون
يحاول الفنان التشكيلي المعاصر أن يدمج الفنون السبعة، عبر منتج فني مركب من فنون حركية، وصوتية وشكلية وضوئية، وقد يدخل الأداء الجسدي، فالفنان هو الذي يهيمن على المنتج الفني ويجعل منه عملاً موحداً يضم الفنون السبعة، عبر عملية التوحيد يهز الفنان أحاسيس وبصيرة المشاهد، ويجره نحو ذات الفنان التي هي جزء لا يتجزأ من المجتمع الإنساني.
السبب وراء دافع الفنان المعاصر لتوحيد الفنون، الرغبة بالعودة لحضن الأم، فجميع تلك الفنون ولدت من رحم واحد، وهو رحم الطبيعة، فلا يمكن الابتعاد عن تلك الحقيقة، فمهما ابتعدنا عن الطبيعة واندمجنا بالتطور التكنولوجي، فمصيرنا للحنين والتحرك نحو الطبيعة، فإن واجه الفنان صعوبة في العودة للطبيعة، بنى له عالماً افتراضياً يضم الفنون السبعة في منتج فني واحد، فتتوحد الفنون وتتوحد معها ذات الفنان مع الطبيعة.
تنزع الفنون السبعة للتوحد مع الفن المعاصر، فمثلا السينما أول ما ظهرت كانت عبارة عن صور صامتة متحركة، حتى إذا اكتشفت مادة “السالينيوم” وهو معدن يحول الموجات الصوتية إلى موجات ضوئية ثم تحيل هذه إلى صوتية، بذلك تم جمع جميع الفنون تحت اسم السينما، لم تغب السينما عن الفنون التشكيلية، بل تصافحت الفنون المعاصرة مع السينما وأكملت معها رسالة الفن، عندما توحدت الفنون تحت اسم السينما، عبرت مخيلة المشاهد، وجعلت فكره يركب سجادة على باب، متنقلا بها وسط فضاء الأبعاد الزمنية والمكانية.
الفن التشكيلي غير معزول عن الطقوس الدينية أو الأوبرا أو حتى اللعب الخشبية في مسرح الأطفال، ولكنها مدموجة مع عناصر أخرى مثل الأداء الحركي والضوء، فالفن عبارة عن جسد واحد يحمل أكثر من حاسة واحدة، تعمل حواس الفن بشكل لا إرادي، أثناء إنتاج المنتج الفني، فالمعاصرة تجبر الفنان على التمرد والوقوع داخل حفرة الشك في مصداقية الرسالة التي يستقبلها المجتمع، فالطقوس الدينية عبارة عن عمل فني، أي رسالة كما أن الأوبرا سمفونية يعزفها فنان وليس حداد أو صانع ليس له أي قدرة على الإبداع، بل التقليد الأعمى من أجل المادة، ولا يمكن جذب الأطفال إن لم تكن هناك قصة ذات عقدة، وذات إخراج فني مبتكر، فالشخصيات المعروضة تحتاج إلى عقل مفكر، قادر على جعلها ناطقة، ولا يكون ذلك إلا عبر الفن.
يمكن تجاوز الحدود الفاصلة بين السينما والفن التشكيلي، فتتوحد عبر ممر ضيق، وتتشابك مرغمة ليصعب بعد ذلك نزعها، فتجد شاشات السينما تحتل قاعة الفنون المعاصرة، ويتزاحم حولها المشاهدون، وإن تم عرضها عبر زمن أقل، ولكنها تكون طفلا رضيعا من الفن السابع، وأتوقع في المستقبل أن يكبر هذا الطفل ويزداد تماسكاً وقوة بين الفن التشكيلي والسينما.
science_97@yahoo.com