ختام
في 29 نوفمبر من العام 2007 كتبت هذه الزاوية للمرة الأولى تحت عنوان “تبرير”. كنت أريد أن أقنع نفسي، أولاً، بوجاهة “احتلال” العامود الأخير، من الصفحة الأخيرة، من “الاتحاد الثقافي”. اليوم وبعد ست سنوات من الصدور، و350 عدداً، أختم هذه المشاركة، في شكلها وموقعها، والتي كانت جهداً متواضعاً في إطار جهود أوسع تولّت إطلاق واستمرار “الاتحاد الثقافي” بصيغته الحالية.
بحسب الكلمة التي تصدرت عدده الأول، فإن “الاتحاد الثقافي” لم يصدر لكي يحدث انقلابات ثقافية، على جري العادة في “إعلانات” صدور مطبوعات ثقافية. لم يعط لنفسه مهمة، هي بطبيعتها، مهمة أجيال، وإنما أراد أن يحقق هدفين: المساهمة، بقدر، في الحراك الثقافي المتنوع والغزير الجاري في دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص. وتوفير منبر أسبوعي للمبدع الإماراتي، أولاً ومن ثم العربي، بقصيدته ونصه وكتابه ولوحته ومسرحيته وفيلمه الخ.. وقد كان “الاتحاد الثقافي” أمينا في التزام هذين الهدفين، بالمتابعة الإخبارية، والقراءة النقدية، والدراسة المعمقة، والحوار الجاد، وغيرها من أشكال العمل الصحفي، التي اتسعت أو ضاقت تبعا لأهمية الحدث نفسه. والقاعدة التي حكمت ذلك، كانت تقريب المادة الثقافية بصيغة تلائم كل شرائح القراء، بالابتعاد عن تخوم التقعير وتجنّب مهاوي الابتذال.
وخلال السنوات الست الماضية نجح “الاتحاد الثقافي” في محطات وأخفق في مواضع. نجح في توسيع قاعدة القراء للمادة الثقافية. كما نجح هذا المنبر الأسبوعي، في استضافة أسماء مكرسة في المشهد الثقافي الإماراتي بأفكارهم ونصوصهم. ونجح في أن يوفر فرصة النشر الأولى لعديد الأسماء، من شعراء وكتّاب قصة. ومما نشروه في “الاتحاد الثقافي” أصدر البعض منهم كتبهم الأولى. كما كان “الاتحاد الثقافي” موضوعاً لرسائل جامعية، أو اعتمد كواحد من مراجعها.
ومن العدل التسجيل هنا إن كل نجاح تحقق في هذا الجهد الثقافي الأسبوعي، إنما تم بعطاء كوكبة صغيرة من الزملاء العاملين المتفرغين، ومجموعة أوسع من المتعاونين في مكاتب جريدة “الاتحاد” وفي بعض العواصم العربية والعالمية، فضلاً عن عدد من الكتّاب أصحاب الأسماء والأقلام المرموقة. أما كل إخفاق حدث، بسبب تقاعس أو إهمال أو سوء تقدير، فقد اقترفته وحدي..
إن لائحة الشكر في هذا المجال تطول، وكل اختصار فيه إخلال لا بد منه. أشكر أولاً رئيس التحرير الأستاذ محمد الحمادي لمتابعته المتبصرة خلال الأشهر الماضية. كم أسجل امتناني لزملائي: الأستاذ سعد جمعة المشرف الدقيق والدؤوب على الصفحة اليومية. والأستاذة شهيرة أحمد المحققة المتميزة في كل ما تكتبه. والزميل إبراهيم الملاّ الناقد السينمائي الأول في الإمارات. والزميل جهاد هديب المتنوع الجهد والنشيط. والأخ الزميل الدكتور سلمان كاصد الذي أتم واجبه المهني قبل أشهر. وأيضا الزميلة الأخت هناء الجنيبي، التي وفرت بلمساتها الجمالية الكثير من الحلول الإخراجية لصفحات الملحق الثقافي. لقد كانت مبادرات هؤلاء وابتكاراتهم، روافد في تجديد “الاتحاد الثقافي” بشكل أسبوعي، كما أنهم استجابوا بأريحية لطلباتي التي لا تكتفي دائما، ومطالباتي غير الضرورية في بعض الأحيان...
ولا أفشي سراً إذ أقول إن “الاتحاد الثقافي” يدخل مرحلة جديدة مفعمة بالحيوية والآمال، تحت إدارة الصديق الأستاذ عبد العزيز جاسم، القامة الشعرية الإماراتية المرموقة، وهو صاحب تجربة معروفة في الصحافة الثقافية. إن رؤية الأستاذ جاسم وبرنامجه التطويري، تستحق التعاون والحماس مني ومن زملائي، والأهم من ذلك إنها تستحق شوق الانتظار من جميع القراء.
لقد وقفت طيلة ست سنوات “على الحافة” بين نقيضين: فيزياء الطبيعة وميتافيزيقيا العقل. الأولى حدودها الواقع والثانية حدودها الخيال.. والسلام.
adelk58@hotmail.com