موت الكتاب..
العلاقة التي تربط بين الناشر والكاتب في وطننا العربي تشبه إلى حد كبير العلاقة بين المنشار وجذع الشجرة، صوت يغوص في عمق لب الجذع وشجرة تلقى على الأرض بعد وصول المنشار إلى الضفة الأخرى من الهواء، علاقة أقل ما يمكن أن يقال بشأنها إنها علاقة غير جمالية وغير ثقافية وغير متكافئة، وفي بعض الأحيان غير أخلاقية، وتكتنفها سلوكيات انتهازية وابتزازية، يمارس فيها ناشر الكتب صمتاً مع الكاتب، الذي يبقى في العتمة طوال الوقت، لا تواصل ولا بيانات ولا معلومات عن التوزيع أو حركة الكتاب، ولا شيء، وكأن علاقة الناشر مع الكاتب تنتهي في اللحظة التي يتسلم فيها الكاتب نسخاً من مؤلفه، بينما في الحقيقة، يجب أن تبدأ العلاقة بعد طباعة الكتاب، هذا في الدول التي تحترم حرفة النشر، وهواجس الكاتب، ويحترم الناشر طبيعة عمله وأهدافه، وبعض من يمتلكون دور نشر ليس لهم علاقة بالكتاب لا من قريب أو بعيد، بل يتحدثون بمنطق السوق التجاري، (والله سوق الشعر نايم هالأيام، السوق للرواية!!)، أو يوجهون الكاتب ليكتب في الموضوعات المثيرة (جنس وقتل وخيانة)، يا سلام!.
ولا يختلف دور الناشر العربي عن دور صاحب المطبعة، طالما أنه، أي الناشر، لا يقوم بأدنى واجباته المتمثلة في شراء حق النشر من المؤلف، وطباعة كتابه وتوزيعه على نطاق واسع، وأن يتواصل مع المؤلف بشكل راق، وأن يضع هدفاً لعمله يتمثل في زيادة عدد النسخ المطبوعة لتصل إلى عشرات الآلاف من النسخ وليس ألف نسخة أو نصفها.
ولا تختلف دور وأقسام النشر الرسمية عن الدور الخاصة، بل تتساوى معها في السلوكيات غير الحضارية والبعيدة عن جوهر الثقافة والعلم والإبداع والحرفية في التعامل مع الكتاب، فهي تفرض عليك سياساتها وقيمها، ولا تعترف بالجملة التي تلصقها صفحات الرأي التي تقول: (المقالات تعبر عن رأي أصحابها)، دون أن تنفّذ ذلك بالطبع، وتهديك عدداً قليلاً من النسخ ولا شأن لك بالباقي، ثم تقوم بتخزين كتابك في الغرف المغلقة ليتسلى مع الفئران، فلا تفرج عنه إلا حين يفرجها الله عليها، وهذه المؤسسات تعرض منشوراتها في معارض الكتب فقط، ولا تربطها اتفاقيات مع المكتبات أو أماكن توزيع المطبوعات والكتب، وبذلك، تساهم في موت الكتاب، بدلاً من نظرية موت الكاتب، ولا فرق بين الاثنين.
قال لي أحد الأصدقاء: (أفكر في تأسيس دار نشر، أعرف مؤلفين كثيرين مشهورين ومغمورين ومجانين شهرة، سأتفق مع مطابع رخيصة، وأتقاضى ضعف أسعارها من الكتاب، الذين سأتفق معهم على طباعة ألف نسخة، بينما أقوم بطباعة 500 نسخة، وحين تنفذ الكمية أعيد طباعتها دون علمهم، وأبيعها، وسأقنع المؤلفين أنني سأعمل على مشاركة كتبهم في مسابقات وجوائز ومعارض، ما رأيك أن تكون أول زبون؟)، فأصبت بالغثيان..
akhattib@yahoo.com