حمزتوف
من الكتب المهمة التي تلقيتها “قصائد مختارة من أشعار رسول حمزتوف” هذا الشاعر الجميل الذي نهل من أشعاره عظام الشعراء، واقتبس من فنه ومن أسلوبه أكثر المطلعين على اللغتين العربية والروسية، شاعر من كوكب آخر كما يوصف، ولد من صلب شاعر ومن مدينة شاعرة، تقمص لغة جبال “تسادا” إحدى قرى داغستان، وتسلق حكمة الجبال، ووصل الى روعة القمم، ولم تتخل عنه يوما أساطيرها، ولم تسقط منه فضاءاتها، بل استوعبته كشاعر مهم وكموهبة استهواها أدبه، فما كان منه إلا أن يخلص لقوميته، ولم يدع لغته تتناثر وتسقط برصاص الجبابرة، فبث فيها صوته كشاعر يلهم المقاومة القوقازية ويحمل معها عبء القومية التي استأثرت بأشعاره، وبلورته بعناوين إصداراته، أولها كان عام 1943 “شعلة الحب ولهيب الكراهية”، وعام 1945 “أصداء الحرب” وغيرها من الكتب الرائعة “السمراء” و”بنت الجبال” و”حوار مع أبي”.
“داغستان بلدي” لم يترجم ككتاب إلى العربية فحسب وإنما تمت ترجمة حمزتوف وأفكاره وعالمه الشعري، كانت ترجمة لثقله التاريخي المتوارث في حب الإنسانية وحب الأرض والوطن، حبا لا يمكن أن تجف ينابيعه، ولا يمكن أن لا يخلد من مثله يحمل قيثارة مفعمة بالألحان “الأفارية” وتقاليدها؟ ومن الطبيعي أن يسطر حضوره بحروف تعلو، وروحه رغم الغياب لازالت ترفرف بأيقونة الحكمة، فمدارها التعبير المقدس والمشرق على الوطن، منتهجا رسالة القومية، مبتهجا بهما وهو يخاطب شعوب العالم.
حمزتوف كان عالمه الإنسان، وسر تألقه الأرض والمرأة، فلم يتحرر من لغته مما تمثل في أشعاره، وفي سيرته الأدبية، وفي أقواله وحكمته وفضاء فكره، فكان يتجدد ويتلألأ في حدود الوطن وخارجه، فمن قصائده التي تلوح بالأفق: “مع انني لست زنبقا، ولست ليلكا، لن يعارض قطفنا يوما عامل حديقة أبيض اسمه النهار، أو أسود اسمه الليل”، الى آخر القصيدة: “صياد أبيض يراقبنا، صياد أسود يطلق علينا، ألن ترتجف يد الأول؟ ألن يخطئ الثاني هدفه؟”.
وفي إحدى قصائده يقول: “أسترضيك بالقمر والنار بالزهور والغروب والمروج، لم أعتبرك مذنبة ولو لمرة وأعتبر نفسي المذنب دوما”، وفي أخرى يقول: “سنكون وحيدين أنا وهي فقط ستقف عقارب الساعة عن الدوران، ستغمر الموسيقى هدوء الجو وستعمه السرية”، ويقول: “لا أريد حصانا رشيقا أسود إن لم أسعد بوجود إنسان قربي، وأستغني عن النار وليسفح نبيذي على الأرض ان لم أجد في الجبال إنسانا جانبي”.
كم هو رائع هذا الشاعر، وكم هو جميل حين يبتكر لنفسه كل هذه المخرجات الحياتية الثرية مما يميزه عن الشعراء بآلاف الأميال ومما يضع له التاريخ مكانة يعنونها التفرد والتميز، فهو حين يتحدث لا تجد فراغا يتداخل مخيلته، فأشعاره تتقمص شاعريته وتفضي بالنفس الى حب هذا الشاعر الجميل والذي يجعلني أن أشكر من أعماقي المترجم د. مسوح الذي أتحفني والمكتبة العربية بهذا الكتاب الجميل.