العضو 195
فوز فلسطين بعضوية كاملة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) لم يعد خبرا جديدا، لكنه سيذكرنا كل يوم بتلك الدول التي تدعي الريادة والقيادة بشأن حقوق الإنسان، التي وقفت بشراسة وهمجية وتخلف أمام اختيار فلسطين لعضوية اليونيسكو، وكأني بها تنفي وجود شعب فلسطيني له تراث إنساني عريق، شكّل العالم بأسره عبر العصور، وهذا الموقف الذي يعكس انحيازاً كبيرا إلى جانب الجهل ليس جديدا على تلك الدول، المصابة بالحقد التاريخي والحضاري، إلا أن منظمة اليونيسكو لا يمكنها إلا أن تقبل عضوية فلسطين إدراكا منها بقيمة التراث الإنساني الذي تحتضنه أرض الرسالات، وأي فشل في القبول كان سيشكك في مصداقية هذه المنظمة.
إن أشد ما أعجبني من بين ردود الأفعال، ما قاله الدكتور زياد بن عبدالله الدريس، سفير السعودية لدى اليونيسكو: (اليوم لم تولد فلسطين بل وُلدت يونيسكو جديدة، ملامحها قوة العدالة بعد أن هيمنت عدالة القوة لعقود)، وقال: (عجبت كيف أن عددا من الدول المعترضة كانت تثني في خطاباتها أمام المؤتمر العام على الربيع العربي، لكن هذه الدول نفسها لا ترى مانعا من أن تبقى فلسطين في «خريف» دائم).
نحن نعلم تماما أن العديد من مواقف الدول كانت سياسية أكثر منها ثقافية، وكانت بضغط كبير من الولايات المتحدة الأميركية، التي قررت إيقاف دعمها لمنظمة اليونيسكو، عقابا لها على قرارها، وذلك بناء على قانون، أي تشريع صدر منذ سنوات طويلة، يمنع أميركا من تقديم الدعم لأي منظمة تعترف بفلسطين، وهو أمر مثير للدهشة بقدر ما هو مثير للاشمئزاز، وكأن فلسطين دولة كبرى، وتحاربها الولايات المتحدة بكل ما أوتيت من ترسانة عسكرية وقانونية وتشريعية وثقافية، وفي هذا السياق، أعربت إيرينا يوكوفا رئيسة اليونيسكو عن أسفها حين قالت: «الولايات المتحدة تدعم اليونسكو لكنها محاصرة بالقوانين الصادرة منذ 20 عاما». ولا شك أن وقف الدعم المالي سيؤثر على برامج هذه المنظمة، على الرغم من أن المبلغ يمكن تدبيره ببساطة، حيث لا تتعدى مساهمة أميركا 80 مليون دولار، وهذا المبلغ يمكن أن يعوضه أي ثري عربي دون أن يخدش موقفه المالي.
وإذا كانت فلسطين قد أصبحت العضو 195 في منظمة اليونيسكو، فإن الإمارات العربية المتحدة سجلت انتصارا جديدا بعدها بأسبوع، واحتلت المركز الأول في عضوية المجلس التنفيذي للمنظمة وحازت 144 صوتاً، وهو ما يشكل دعما كبيرا لفلسطين والموقف الثقافي الإنساني العربي داخل المنظمة، التي تندرج تحتها مؤسسات أخرى تعنى بالموروث الإنساني العام.
لقد انتبه العرب مؤخرا إلى أن الجبهة الثقافية قد تتقدم على الجبهة العسكرية على المستوى العالمي، ومواصلة الطرق على هذا الباب، سيفرز أصواتا مؤثرة ستخترق بفعل التراكم، الاحتكار الصهيوني للرأي العام، ويترك صدى إيجابياً في المؤسسات الثقافية العالمية، على أن يكون الطرق بيد واحدة، وكل عام وأنتم بخير..
akhattib@yahoo.com