الملاسنة والملاعنة·· لحل قضايانا الراهنة!
لسن الرجل تناهى في الفصاحة والبلاغة، وألسن فهو ملسون أي طويل اللسان، كناية عن الفحش في القول، وتلسن على فلان، كذب وافترى، وألسن الجمر، ارتفع شهابه وعلت شعلته، ولسنته العقرب، لدغته، وألسن فلان قولاً أو جواباً، أبلغه إياه، وتلاسن القوم، على وزن تلاعن، ولا نقول تفاعل، لأن في الملاسنة، لساناً طويلاً يحتاج للقطع، ولسانا بذيئاً يحتاج لمقصلة النطع، ومال الناس إلى الملاسنة، تاركين المهادنة والمداهنة، شاحذين سيوف الحرب، سانين أنصال الحديد، وأكثر ما تكون ملاسنة العرب في مؤتمراتهم السياسية، وطاولاتهم المستديرة، المزينة بالميكروفونات وعدسات الكاميرات، أما لو تركوا ينظمون اجتماعاتهم على راحتهم، وحول طاولات الفنادق الخضراء الليلية، وتحت الأضواء الخافتة، وعلى مسمع من الموسيقى الهادئة، يطربون لرنين الكأس، وإيقاع الطاس، لكانت قضاياهم محلولة إن شاء الله، وقضاياهم العالقة منقولة بإذن واحد أحد، فرد صمد·
نعود إلى أس الملاسنة، فإذا أخرج الرجل لك لسانه، وهذه شائنة عند رجال العرب الأقحاح، ملتصقة بإناثهم وغلمانهم فقط، فهو يعيرك ويشين فعالك، أما الفرنسيون فلا يعنون به العيب، وأما الإنجليز فيكرهون لغة الإشارة، ويحبون التصريح، لا التلميح، وعند الأميركيين عادة تختلط بالمزاح والمضايقة·
أما عقوبة قطع اللسان فكثيراً ما يتعرض لها الشعراء الذين في كل وادٍ يهيمون، وانهم يقولون ما لا يفعلون، وانهم يكيلون ولا يوزنون، وممن تعرض لها شاعرة تدعى ليلى الأخيلية، وهي عقوبة في أصلها كانت مرتبطة بالواشي، ولا تعدل زلة اللسان، زلة أخرى من الحواس، إلا زلة القدم، وزلة الندم·
واللسانيات والألسنية علم من علوم العصر الجديد، يخص الصوتيات واللغويات، واللسانات مثل النخعات''باللهجة اللبنانية المخففة'' أكلات تعافها النفس، غير أن اللبنانيين يزينونها للزبون، ويذوقونها له، ويغرونه بها بعد إضافة الحامض والخل·
وكانت العرب تقول لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن شنته شانك، ودقدق عظامك، ولسان الفتى نصف، ونصف فؤاده، فلم يبق إلا صورة اللحم والدم، ولسان العرب قاموسهم، وتاج عروسهم، ومحيطهم الذي لا ينضب، ولسان القوم لغتهم، أو المتحدث عنهم، واللسان الأم، هي اللغة الأصلية، ولسان الحال هو واقعه، ولسان العصفور، قطع لحم صغيرة لا يعرفها إلا الطباخون اللبنانيون المهرة، أصحاب الفندقة والهندقة والفنتكة· والحروف اللسانية في العربية ستة ''ر، ز، س، ش، ص، ض'' والملسن حجر يضعونه في أعلى باب البيت، وحلو اللسان من كان متجملاً، والملسن من عض لسانه تحيراً، وندماً، وتفكراً، ومما يزيد الملاسنة، ويعقّد المجادلة، ويجعل ما بين العرب ما صنع الحداد، أو كأن الذي دقّ بينهم عطر منشم، سواء في مؤتمراتهم أو قنواتهم، أو صحفهم ومجلاتهم، وجود الصحفيين، أصحاب القيل والقال، وتبدل الحال، وفي الحقيقة والخيال، ثم تدخُل مرافقي الوفود، وجنود الحراسة الذين يتمتعون بأجواء الرفادة والسقاية، ومزايا الإقامة والرعاية، ويتقنون فنون الدعاية والوشاية، ولا يعرفون لغة العقل، والحكمة والدراية، فيشعلون رؤوس العرب بالغضب، ويجعلونهم يخرجون عن الأدب!