محمد خلف المزروعي تشربت شرايينه بأصالة البداوة التي وصفها ابن خلدون في مقدمته على أنها قيم يشب ويتشبب ويشيب عليها البدوي، ومنها الكرم والشجاعة والإقدام والرجولة والتضحية والبساطة والنجدة والشهامة والمروءة. فكان يتصرف بتلقائية لا تكلف، ومن عرف «بوخلف» شخصياً يعرف أنه كان جميلاً وعملاقاً في إنسانيته التي تتحدى الأنانية. وأذكر تواضعه، فكلما جمعنا فعالية أو مهرجان أو مؤتمر أرى هامته الوسيمة تشق طريقها بين الحضور لتمتد يمناه فأصافحه ويقول: دكتورة، بشريني عنك؟ فأرد: بشارتك الجنة يا بوخلف.. وعند نهاية ما يدور بيننا من كلمات يقول: آمريني، دكتورة شيء في خاطرك من صوبنا؟ فأرد عليه: سلامة راسك يا بوخلف! لقد كان قدوة ومثالاً يحتذى في دماثة الخلق ورهافة الحس والإيثار وجمال الروح، عسى أن يتعظ من ذلك الآخرون. لقد أحببناه في الله وندعو الله أن يقوي قلوبنا بإيمانه ويعظم أجره وأجر أهل بيته وأن يلهمنا وذويه صبراً يملأ تلك الفجوة التي تركها في قلوبنا. حصة سالم الشامسي عصفورة صغيرة تقطف من كل بستان زهرة، وعندما حبسها المرض في أقفاصٍ قريبة وبعيدة بكت حنيناً فعاد الجسد لموطنه، وذات صباحٍ باكر، رفع المؤذن صوته «الله أكبر» فتسللت من ذلك الجسد روح حطمت القضبان لترفرف عالياً. لقد تحرر الجسد من معاناته وعادت الروح لبارئها ولم تجف دموعنا أو أفواهنا من الدعاء. وقد كتبت آمنة الهاشلي في تواصلها مع العالم والناس: «أدعوك ربي وأنت جابر القلوب أن تُجَبِر كسر قلوبنا فلا جابراً لكسرها إلا أنت». هذه العصفورة تغرد في ذاكرتنا فنبتسم وعيوننا تذرف الدمع عليها وتعتصر قلوبنا لوعة وحسرة فلا نعترض على إرادة الله. ونقول عندما تقف براءة الأطفال أمامنا بالسؤال بأنهم في مكانٍ أفضل، وهذه حقيقة، فالروح عند الله والجسد في تراب الإمارات. للعارفين أقول، نحبهم بصدقٍ وعمقٍ وحياء، ونشتاق قبل أن نشعر بالفراق، فالفكر تائه كالسفينة بعد أن هبت عليه العواصف ولعبت به الأمواج؛ إلا أنا نختار زاوية في القلب لِنُشعل لهؤلاء الأحبة شموعاً تتقد شوقاً فتضيء قلوبنا بذكرهم. ولهم نردد ما كتبه سميح القاسم «يا أيها الموتى بلا موت، تعبت من الحياة بلا حياة.»... إلى أن نلتقي فليرحمنا الله جميعاً.